فمنهم من صرف هذا إلى حالة الموت.
ومنهم من ذكر أن هذه الأحوال تكون يوم القيامة.
وإلى أي الحالين صرف التأويل، فهو مستقيم؛ لأن المنكر بالبعث إذا جاءه بأس الله تعالى، ورأى ما حل به من الأهوال - أيقن بالبعث، وعلم به.
ثم إن كان المراد به حالة الموت؛ فقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) يخرج على التمثيل، ليس على التحقيق؛ لأن بصره إذا دهش وتحير، صار بحيث لا ينتفع ببصر وجهه، ولا ببصر قلبه، لا يرى ضوء القمر؛ فيصير القمر كالمنخسف، وتصير الشمس والقمر كالمجموعين، ولا يرى ضوء الشمس ولا نور القمر؛ فيصير النهار عليه ليلا، والليل نهارا؛ شغلا بما حل به من البلايا والأهوال، وهو كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، والآخرة جنة المؤمن وسجن الكافر "، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " من كره لقاء اللَّه، كره الله لقاءه، ومن أحب لقاء اللَّه، أحب اللَّه لقاءه " فصرفوا تأويل هذين الخبرين إلى حالة الموت؛ وذلك أن الكافر يعاين في ذلك الوقت ما أوعد من الأهوال والشدائد؛ فكره مفارقة روحه من جسده؛ لئلا يقع في تلك الأهوال والشدائد، وتصير الدنيا له في ذلك الوقت كالجنة، لا يجب مفارقتها.
والمؤمن إذا عاين ما وعد له من البشارات، وأنواع الكرامات، ود الخروج من الدنيا؛ ليصل إلى ما أعد له؛ فتصير الدنيا عليه كالسجن في ذلك الوقت؛ فيكون هذا كله على التمثيل من الوجه الذي ذكرنا.
وإن كان ذلك على يوم القيامة، فهو على تحقيق الخسف، وجمع الشمس والقمر.
وقوله - عز وجل -: (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ):
يحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (أَيْنَ الْمَفَرُّ)، أي: ليس لي موضع فرار عما حل بي.
أو يقول: إلى أين أفر؟ وإلى من ألتجئ؛ لأتخلص من العذاب؟ واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ):