فقوله: (عَلَيْنَا) يخرج على أوجه ثلاثة:
أحدها: أن علينا في حق الوعد جمعه وقرآنه؛ لأنه قد سبق منا الوعد في الكتب المتقدمة بإنزال هذا القرآن وإرسال هذا الرسول؛ فعلينا إنجاز ذلك الوعد ووفاؤه.
أو علينا في حق الحكمة جمعه؛ لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أمر بتبليغ الرسالة، ولا يتهيأ له ذلك إلا بعد أن يجمع له فيؤديه إلى الخلق.
ولأن اللَّه تعالى حكيم في فعله؛ ففعله موصوف بالحكمة، وإن لم نعرف نحن وجه الحكمة في فعله.
وجائز أن يكون قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) في حق الرحمة والرأفة على الخلق، لا أن يكون ذلك حقا لهم قبله تعالى، وهو كقوله - تعالى -: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ...) إلى قوله: (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)، فأخبر أنه أبقى القرآن، ولم يذهب به؛ رحمة منه على عباده وفضلا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَقُرْآنَهُ)، أي: قراءته، وتسميته: قرآنا؛ كما قيل في تأويل قوله: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ)، أي: جعلناه فرقانا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨):
أي: جمعناه في قلبك، أو جمعنا حدوده، وما أودع فيه من المعاني.
أو جمعناه بعد أن فرقناه في التنزيل.
وقوله: (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) اتباعه يكون بأوجه: في أن يبلغه إلى الخلق، ويعلم أمته، ويتبع حلاله، ويجتنب حرامه، وغير ذلك.
وقوله: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩):
جائز أن يكون قوله: (عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، أي: بيان ما أنزلناه إليك مجملا؛ فيكون بيانه في تعريف ما هو بحق الائتمار، وما هو في حق الجواز، وما هو في حق التحسين والتزيين؛ لأن الفرائض لها شعب وأركان وحواشٍِ.
أو نقول: فيها فرائض، ولوازم، وآداب، وأركان.
على هذا ففيه منع تعليق الحكم بظاهر المخرج؛ لأنه لو كان متعلقا به، لكان البيان منقضيا بنفس المنزل؛ فلا يحتاج إلى أن يبين، وفيه دلالة تأخير البيان عن وقت وقوع الخطاب في السمع.