وقد غلط بعض المفسرين حيث قالوا: استغنى اللَّه: بطاعة من أطاعه عن معصية من عصاه؛ لأن اللَّه تعالى لم يمتحن عباده بالطاعة والمعصية لمنافع يأملها أو مضرة يخشاها ويخافها، بل هو مستغنٍ بذاته عن ذلك في الأزل، واللَّه أعلم.
ويجوز أن يكون في هذا إضمار، يعني: واستغنى الرسول عن طاعتهم باللَّه تعالى، أو يصرف الاستغناء إلى الإخبار عن ذاته: أنه مستغنٍ بذاته في الأزل، لا تمسه حاجة، وأنه لا يضره كفر من كفر، ولا ينفعه إيمان من آمن، بل إنما يحصل ذلك كله للممتحن بهما، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
قد وصفنا معنى الغني، وأما الحميد يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني: المحمود، أي: المستحق للحمد بذاته؛ إذ يستحق من كل أحد الحمد على ما يحسن إليه، أو يحمل معنى الحميد على معنى الحامد، ووجه ذلك أن الله تعالى يحمد محاسن الخلق وآثار أفعالهم، وأن حقيقة تلك الأفعال من جهة التوفيق والتسديد إنما كانت به، وذلك غاية الكرم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧).
قوله: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يجوز أن يكون هذا تعليما لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يعلمه القسم تأكيدا؛ لما كان يخبر عن البعث، وكذلك جميع ما ذكر من القسم في القرآن يجوز أن يكون على هذا المعنى؛ لأن القسم إنما هو لنفي تهمة تمكنت، واللَّه تعالى لا يتهم في خبره، والرسول هو الذي كانوا يتهمونه فيما يخبر؛ لما لم يثبت عندهم رسالته لعدم تأملهم في دلائله، فعلمه القسم؛ تأكيدا لما يخبر ونفيا للتهمة عما يقوله، واللَّه أعلم.
ويجوز أن يكون هذا قسمًا مقابلا لما أقسم به الكفرة في أمر البعث؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن أمر البعث على اللَّه يسير هين لأنهم أنكروا البعث بعدما صاروا ترابا؛


الصفحة التالية
Icon