والانقياد لله تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢):
أي: ولكن كذب بالأخبار التي جاءته.
(وَتَوَلَّى)، أي: أعرض عن طاعة اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أي: يتبختر ويتكبر، وذلك أن الاحتيال والتكبر إنما يليق بمن أتى بفعل عظيم يعجز غيره عن إتيان مثله؛ نحو أن يهزم جندا عظيما، أو يفتح كورة حصينة، وهذا الذي تمطى لم يفعل سوى أن كذب بآيات الله تعالى، وأعرض عن طاعته، وما هذا إلا فعل السفهاء الحمقى، فأنى يليق بمثله التمطي؟!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٥):
جائز أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قيل له: قل: أولى لك فأولى.
أو كان رسول اللَّه قال له: أولى لك فأولى، فبين اللَّه تعالى ذلك في كتابه.
وقال أهل التأويل: هذا وعيد على وعيد، كأنه قال: " ويل لك فويل، ثم ويل لك فويل ".
وذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أخذ [بجميع ثيابه]، وقال له هذا، فلم يتهيأ لذلك المسكين أن يدفع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن نفسه، وكان يفتخر بكثرة أنصاره، وأنه أعز من يمشي بين الجبلين، فاللَّه تعالى بلطفه أذله وأهانه حتى لم يتهيأ له الحراك عما نزل به، ولا نفعه قواه وكثرة أتباعه.
وجائز أن يكون قوله: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) أي: أجدر لك، وأحرى، لا أن يكوك محمولًا على الإبعاد؛ فيكون قوله: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)، أي: الأجدر لك أن تنظر فيما جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ وفي الذي كان عليه آباؤك؛ ليظهر لك الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، فتتبع الصواب من ذلك، فتحرز به شرف الدنيا والآخرة؛ إذ كان يفتخر بشرفه وعزه، فإن أردت أن يدوم لك الشرف، فالأولى لك أن تنظر إلى ما ذكرنا، فتتبع الصواب من ذلك.
والثاني: أن العرب كانت عادتها أن تقوم بنصر قبيلتها والذب عنها، سواء كانت ظالمة في ذلك أو لم تكن ظالمة، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان من قبيلة أبي جهل - لعنه اللَّه - فلو كان على غير حق عنده، كان الأولى به أن ينصره، ويعينه، على ما عليه عادة العرب، وإن كان محقا فهو أولى، فترك ما هو أولى به من النصر والحماية، واللَّه أعلم.