وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥):
منهم من ذكر أن هذا وعيد على وعيد، وقد ذكرنا أن حرف الوعيد ما يكرره العرب فيما بينهم للتأكيد، كما يقال: هيهات هيهات، وأولى لك فأولى.
وجائز أن يكون قوله: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) على علم دلالة، وقوله - تعالى -: (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) على علم المشاهدة والعيان.
ثم قوله - تعالى -: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) أي: بساطا، (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧) ذكر أن الأرض لما خلقت مادت بأهلها، فأرساها اللَّه - تعالى - بالجبال؛ لطفا منه، لا أن جعلها سببا للإرساء؛ ألا ترى إلى قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)، فقد جعلها في ذلك الوقت مستمسكة ثابتة مستقرة بدون الجبال؛ فثبت أنها ليست بسبب للإرساء في التحقيق، ويكون فيه تعريف الخلق وجوه الحيل في الأمور إذا تعذر عليهم الوصول إليها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨) قيل: ألوانا؛ فيكون في هذا إبطال الحكم بقول القائف؛ لأنهم يستدلون بالتشابه في الألوان، ويحكمون بها، فلو كان الأمر على ما قدروا، لارتفع الاختلاف في الألوان؛ فيكون الخلق كلهم على لون واحد.
وقيل: (أَزْوَاجًا): فرقا شتى؛ ليعرف كل منهم عنصره، ومنتهى أصله.
وقيل: (أَزْوَاجًا)، أي: جعل لكل أحد شكلا من جنسه؛ فجعل للذكر أنثى زوجا من جنسه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) قيل: السبات: التمدد.
وقيل: السبات: النوم الذي لا حركة فيه؛ ولهذا قيل للذي شبه بالميت: مسبوت.
وقيل: السبات: الراحة؛ ولذلك سمى: السبت؛ لأنه يوم راحة وترك العمل في بني إسرائيل.
ثم في إنشاء النوم دليل سلطانه، ودخول الخلق بأجمعهم تحت تدبيره؛ إذ لم يتهيأ لأحد الاحتراز من النوم حتى لا يعتريه؛ بل يقهر الجبابرة فيذلهم، ولا يمكنهم الخلاص