وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) فذكر بعضهم أن البرد هو النوم.
ومنهم من ذكر أن معناه: الروح، والراحة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا) يقطع عنهم الحر، (وَلَا شَرَابًا) يقطع عطشهم، (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) فالحميم: هو الماء الذي قد انتهى في الحر نهايته، والغساق: الزمهرير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو ما ينفصل عن أبدانهم من الصديد والزهومة، وهو الودك؛ فمعناه - واللَّه أعلم -: أن الذي يتطعم به أهل النار لا يعذبهم، ولا يجدون به مستمتعا، بل يصير ذلك سبب إهلاكهم، لا أن يقع لهم بذلك البرد راحة وشفاؤهم؛ كما وصفهم اللَّه - تعالى -: (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى)، فيبقون أبدا في الهلاك لا يقضي عليهم فيستريحوا، ولا ينقطع عنهم العذاب فيتلذذوا بالحياة.
وقيل: الغساق: لون من العذاب، لم يطلع اللَّه تعالى عليه عباده.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) أي: وافق جزاؤهم أعمالهم، لا ينقصون، ولا يزدادون على قدر ما استوجبوا، بل يجزون مثل أعمالهم.
وجائز أن يكون معناه: أن جزاءهم وافق أعمالهم في الخبث.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧):
منهم من ذكر أنهم لا يخافونه.
ومنهم من حمله على حقيقة الرجاء، أي: لم يكونوا يرجون الثواب.
والوجه فيه: أنهم كانوا قوما لا يؤمنون بالبعث ولا بالجزاء والعذاب حتى يخافوا العقاب، ويرجوا الثواب.
فإن حملته على الخوف، فهم لم يخافوه؛ لما لم يؤمنوا به، وكذلك إن حملته على حقيقة الرجاء، فهم لم يكونوا يرجونه؛ لما كذبوا به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) فالكذاب والتكذيب في لغة العرب واحد؛ والآيات: جائز أن يراد بالآيات آيات البعث، ويراد بها آيات الوحدانية، وآيات الرسالة، ونحوها.


الصفحة التالية
Icon