والثاني: المبارك، يعني: به ينال كل بركة وخير.
ويجوز أن يجمع في المبارك معنى التنزيه من العيوب ومعنى البركة؛ لأنك إذا وصفته بالبركة فقد وصفته بالبراءة من كل عيب وأضفت إليه كل بركة ويمن؛ كما روي في الخبر أن قول: " سُبْحَانَ اللَّهِ نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان "، وكان معناهما عندنا أن قول: " سُبْحَانَ اللَّهِ " يختص بتبرئته من العيوب، " والحمد لله " ينتظم معنى التنزيه من العيوب، ومعنى إضافة النعم كلها إليه، فإذا كان فيه هذان المعنيان جميعًا، جاز أن يمتلئ به الميزان، ولما اختص " سُبْحَانَ اللَّهِ " بتطهيره من العيوب، ولم يتعده إلى غيره، أخذ نصف الميزان، واللَّه أعلم.
وكذلك هذا الاختلاف في تأويل قوله: (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
العزيز: يعني: الغالب القاهر، لا يعجزه شيء.
أو يجوز أن يكون العزيز مقابل الذليل، والذليل ينتظم كل فقر وحاجة وضعف؛
فالواجب: أن ينتظم العزيز -إذا كان ضدًّا ومقابلا- كل شرف ومكرمة وغناء وقوة، والله الموفق.
والحكيم: قالوا: هو الذي يضع الأشياء مواضعها، فاللَّه تعالى حكيم حيث وضع الأشياء مواضعها التي جعلها اللَّه تعالى مواضع لها، أو الحكيم: هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير، وهو معنى المصيب أيضًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢).
احتج أهل الكتاب علينا أن اللَّه تعالى إنما بعث محمدا رسولا إلى الأميين خاصة بهذه الآية، وفهموا منها تخصيص الأميين بإرسال الرسول إليهم، فيقتضي نفيه عن غيرهم.
ولكن نقول: لا يجب أن يفهم من الآية نفي ما ذكر في ظاهرها، بل يفهم منها ظاهرها دون النفي، والتخصيص بالذكر لا يحتمل على النفي؛ لأنه إذا حمل التخصيص بالذكر على نفي غيره، أدى إلى ما لا يستقيم ولا يحل؛ ألا ترى إلى قوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، حيث لم يفهم أنه لم يخطه بيمينه أن كان خطه بشماله، ولا من قوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو)، أنه كان يتلى عليه،