وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا... (٣٧) فالرب: المالك، فذكر أنه مالك السماوات والأرض وما بينهما؛ ليعلموا أنه لم يمتحن أحدا بعبادته لحاجة تقع له، أو لمنفعة تصل إليه، بل هو الغني، وله ما في السماوات وما في الأرض، وأن منفعة ما امتحنوا به من العبادات راجعة إلى أنفسهم إذا وفوا بها، وإذا لم يقوموا بأدائها كان الضرر راجعا إليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الرَّحْمَنِ) بين أنه رحمن؛ ليرغبوا في رحمته، ويتسارعوا إلى مغفرته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) هيبة من اللَّه تعالى، وتعظيما لحقه؛ فلا يملكون من هيبته الخطاب بالشفاعة أو بالخصومة أو بأي شيء كان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا... (٣٨) اختلف في الروح:
فمنهم من قال: هو جبريل، عليه السلام.
ومنهم من صرفه إلى أرواح المسلمين.
ومنهم من ذكر أنهم الحفظة على الملائكة يرون الملائكة ولا تراهم الملائكة.
وجائز أن يكون الروح الكتب المنزلة من السماء، كما قال: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ)؛ فتكون الكتب مخاصمة مع من ضيع حقها ونبذها وراء ظهره، وشافعة لمن أدى حقها، وعمل بما فيها.
ومنهم من ذكر أن هذا من المكتوم الذي لا يفسر؛ قال اللَّه تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)، جائز أن يكون هذا منصرفا إلى الشافع؛ أي: الشافع لا يقول فيما يشفع غير الصواب، وما حل به من الرهبة والخوف من هيبة اللَّه تعالى لا يزيله عن التكلم بالحق؛ بل اللَّه تعالى يثبته على الحق، ويجري على لسانه الصواب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: معناه: لا يشفع إلا من قال في الدنيا صوابا، وهو الحق.
وقيل: معناه: أنه لا ينال من الشفاعة حظا إلا من قال في الدنيا الصواب،


الصفحة التالية
Icon