سبيل الضلال والهدى، ولم يصد أحدا عن سبيل الضلال والهدى، وبين أن من سلك سبيل الضلال فمآبه إلى النار، ومن سلك سبيل الرشد والهدى، فمآبه إلى الجنة،
وذلك مآبه إلى اللَّه تعالى، واتخاذ السبيل إليه تعالى.
وقوله: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا... (٤٠) أي: العذاب الذي أوعدهم به قريب مأتاه، وإن استبعدتموه في أوهامكم؛ قال اللَّه - تعالى -: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)، فجائز أن يكون هذا منصرفا إلى الخلائق أجمع مؤمنهم وكافرهم.
ثم تخصيص الأيدي بالذكر هو أن التقديم والتأخير في الشاهد يقع بالأيدي؛ فأضيف إليها، وإن احتمل ألا يكون للأيدي صنع فيما ارتكب من الآثام، أو فيما فعل من الخيرات، وهو كالمطر يسمى: رحمة اللَّه، وإن لم يكن ذلك من أوصافه؛ لأنه برحمة اللَّه ما ينزل من السماء، وسمي الكلام: لسانا وإن لم يكن هو لسانا؛ لأنه باللسان ما يتكلم؛ فكذلك التقديم أضيف إلى الأيدي؛ لما بها يقع التقديم في الشاهد وإن لم يكن للأيدي صنع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)، ذكر هذا التمني في الكافر دون المؤمن؛ لأن المؤمن يرى حسناته متقبلة وسيئاته مغفورة؛ فيأمن من عقاب اللَّه تعالى، والكافر يرى نفسه مؤاخذة بالسيئات، ولا يرى لها حسنات متقبلة؛ فيتمنى أن يكون ترابا؛ ليتخلص عن عذاب اللَّه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن الوحوش تحشر والطيور كلها، ثم يقول اللَّه - تعالى -: " كوني ترابا "؛ فيتمنى الكافر في ذلك الوقت أن يكون ترابا، واللَّه أعلم بالصواب.
* * *


الصفحة التالية
Icon