فتخرج قبل وقتها؛ لما تعاين من كرامات اللَّه تعالى وما ينتشر من الخير؛ يؤيد هذا ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر ".
وقيل: ذلك عند موتة المؤمن إذا حضره الموت صار في ذلك الوقت كالمسجون الذي يتمنى الراحة والخلاص منه؛ لأنه يرى ما أعد له من الثواب؛ فتتهوع نفسه تود لو خرجت حتى تصل إلى ما أعد لها من الكرامة، والكافر إذا رأى عندما حُضِرَ جعل يبتلع نفسه؛ كراهة أن يخرج، فتصير الدنيا في ذلك الوقت كالجنة له فيما لا يحب مفارقتها من شدة ما يرى من عذاب اللَّه تعالى.
وعلى هذا قيل في تأويل قوله - عليه السلام -: " من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه ": إن ذلك عند الموت أن المؤمن إذا حضره الموت ورأى ثوابه من الجنة، ود أن تخرج نفسه؛ فيحب لقاء اللَّه تعالى، ويحب الله لقاءه، والكافر يكره في ذلك الوقت أن تخرج نفسه، فذلك حين كره لقاء اللَّه، وكره الله لقاءه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، قالوا جميعا: المراد منها الملائكة الموكلون بأمور الخلق وأرزاقهم، ونحو ذلك، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في الذي قصد إليه باليمين والقسم:
فمنهم من ذكر أن الذي وقع عليه القسم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) على معنى: إنكم مبعوثون، وأن القيامة حق، فكأنه أقسم بهذه الأشياء أنهم لمبعوثون، وأضمر الجواب هاهنا؛ لما دل عليه المعنى؛ فاكتفى به.
ومنهم من ذكر أن القصد من اليمين قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٦)، فأقسم بما ذكر أن النفختين كائنتان: فالنفخة الأولى يموت بها الخلق، والنفخة الثانية؛ لإحياء الأموات، والراجفة هي النفخة، فجائز أن يكون على حقيقة النفخة؛ فتكون النفخة علامة الموت والحياة، لا أن تكون علة الإماتة والإحياء.


الصفحة التالية
Icon