تزكيت، أو هل لك رغبة إلى ما تزكو به نفسك وتنمو.
ثم في هذه الآية دلالة أن من أراد أن يدعو آخر إلى ما فيه رشده وصلاحه، فالواجب عليه أن يدعوه أولا بالرفق واللين؛ كما أمر موسى وهارون - عليهما السلام - بقوله: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)، وبقوله: (هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى) وإذا ترك الإجابة ختم كلامه بالتعنيف؛ كما فعل موسى - عليه السلام - بقوله: (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)، بعد قوله: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩) أي: أهديك إلى ربك فتهتدي، ثم تخشاه إذا اهتديت؛ أي: عرفت عظمته وجلاله؛ فتخشى عقوبته؛ فيكون العلم مثمرا للخشية؛ ألا ترى إلى قوله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). أو أهديك إلى طاعة ربك، وأنذرك عقابه إذا عصيته؛ فتخشى؛ فلا تعصيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠) منهم من ذكر أن الآية الكبرى هي اليد سميت: كبرى؛ لأن سحرهم عمل في الحبال والعصي، ولم يعمل في اليد؛ فكانت هذه الآية خارجة عن نوع سحرهم، فسميت: كبرى؛ لهذا المعنى.
ومنهم من ذكر أن الآية الكبرى هي العصا؛ لأن غلبة موسى - عليه السلام - على السحرة كانت بالعصا، حيث تلقفت ما أتوا به من السحر، ولكن كل آياته كانت كبرى، كما قال في آية أخرى: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا)، فكانت إحداهما أكبر من الأخرى عند ذوي الأحلام والنهي لمن تأمل فيها وتدبر، والله الموفق.
وقوله: (فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) أي: كذب بآيات اللَّه، وعصى نبيه موسى؛ فلم يطعه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) قال الحسن: كان خفيفا طيَّاشًا، وإلا فالملوك إذا دعوا إلى أمر تدبروا فيه وتفكروا: إما ليجيبوا الداعي إلى ما دعاهم، أو ليردوا عليه، فأما الإدبار والسعي فليس إلا من الخفة والطيش.
وقال غيره: أدبر عن طاعة اللَّه - تعالى - وتولى عنه، وسعى في جمع السحرة.
أو سعى في جمع من قال لموسى - عليه السلام -: (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا