وذلك أهون في عقولهم.
ويحتمل وجها آخر: وهو أن السماء مع شدة خلقها أشفقت على نفسها، فأبت قبول ما عرض عليها من الأمانة، وخافت نقمة اللَّه - تعالى - فما بال هذا الإنسان مع ضعفه يمتنع عن الإجابة إلى ما دعي إليه؛ أفلا يشفق على نفسه، ولا يخاف نقمة اللَّه تعالى، وما خلقت النار والجنة إلا لأجل الإنس، فيذكرهم بهذا؛ ليخوفهم ويرتدعوا عما هم فيه من الطغيان ويجيبوا إلى ما دعاهم إليه الرسول.
وجائز أن يكون هذا صلة قوله: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)، و (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)، فيخبر أن السماء مع شدتها وطواعيتها لا تقوم بذلك اليوم؛ فكيف يقوم الإنسان لهول ذلك اليوم مع ضعفه؟! فيرجع هذا - أيضا - إلى التخويف.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا) (بَنَاهَا): أي: خلقها، (رَفَعَ سَمْكَهَا (٢٨): سقفها، (فَسَوَّاهَا) بالأرض، أو سواها على ما توجبه الحكمة ويدل على الوحدانية.
قال إمام الهدى أبو منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثم لم يفهم أحد من قوله: (بَنَاهَا) ما يفهم من البناء المضاف إلى الخلق، ولا فهم من الرفع ما يفهم من الرفع المضاف إليهم، ولا فهم من قوله: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) ما يفهم من البسط المعروف المنسوب إلى الخلق، فما بال بعض الناس فهموا من المجيء الذي أضيف إلى اللَّه تعالى ما فهموا من المجيء الذي يضاف إلى الخلق، فلولا آفة حلت بهم حملتهم على أن يفهموا منه المعنى المكروه، وإلا لم تنصرف أوهامهم إلى مثل ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) قيل: أظلم ليلها، (وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا): ففي؛ إظلام الليل، وإخراج الضحى ما ينفي عن منكري البعث الشبه التي تعترض لهم، وذلك أنه يغطش في ساعة لطيفة ويغشى ظلمتها كل شيء، ثم يتلفها في أدنى وهلة، ويفنيها