الشهر بالصيام، فقال هذا؛ ليعرف خطأ من يتقدم الشهر بالصيام على الخطأ والجهالة، ليس على إصابة الحق؛ فعلى ذلك الحكم فيما ذكرنا.
ثم صرفوا تأويل الغيب إلى القرآن، وهو عندنا في القرآن وفي غيره من الأشياء التي أطلع اللَّه - تعالى - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عليها.
وجائز أن يكون الضن منصرفا إلى الشفاعة التي أكرم اللَّه - تعالى - نبيه - ﷺ - بها، فهو لا يخص بعض أمته دون بعض بالشفاعة، بل يعمهم جميعا؛ فيكون في هذا تحريض على الاتباع له، والانقياد لطاعته.
ويحتمل وجها آخر: وهو أنه ليس بضنين في أداء شكر ما أنعم اللَّه - تعالى - عليه؛ حيث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بل اجتهد في أداء شكره حتى ذكر أنه تورمت قدماه من طول القيام، فقيل له: ألم يغفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!. فقال: " أفلا أكون عبدا شكورا؟! ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليس من شياطين الإنس، ولا بمجنون كما ذكرتم؛ بل هو رسول كريم.
أو الذي أتاكم به من القرآن لم يتلق من الشياطين، ولا هو من قبلهم كما تلقته الكهنة والسحرة من أقوالهم؛ بل هو ذكر من اللَّه - تعالى - للعالمين أنزله إليه الروح الأمين القوي الذي لا يصل إليه الشيطان فيغيره ويبدله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) أي: فأين تذهبون عن طاعته واتباعه والانقياد له وقد أتاكم ما يلزمكم طاعته واتباعه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) أي: عظة للعالمين، يذكرهم بما يحق عليهم في حالهم، ويبين لهم ما يؤتى وما يتقى، وما تصير إليه عواقبهم.
أو أن يكون قوله: (ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، أي: شرف لهم، يشرف قدرهم به، ويصيرون أئمة يقتدى بهم ويختلف إليهم؛ ليتعلم منهم، واللَّه أعلم.