وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩) فإن كان قوله: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ) على تحقيق المشيئة، فمعناه: أنكم لا تشاءون الاستقامة -على ما ذكرنا- إلا أن يشاء اللَّه.
وإن كان على تحقيق الفعل، فتأويله: أنكم ما استقمتم على الطريقة إلا بمشيئة الله تعالى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تأويل قوله: (وَمَا تَشَاءُونَ)، أي: لم تكونوا تشاءون إنزال هذا الكتاب، فأنزله اللَّه تعالى على رسوله - عليه السلام - بغير مشيئتكم.
وهذا غير محتمل عندنا؛ لأنه قد سبق من القوم الإرادة والسؤال بإرسال الرسول إليهم بقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ)، فثبت أنه قد سبق منهم السؤال بإرسال الرسول وإنزال الكتاب عليه، لكن تأويله ما ذكرنا.
ثم في هذه الآية دلالة أن كل من شاء اللَّه تعالى منه الاستقامة توجد منه الاستقامة: ، ولا يجوز أن يشاء من أحد استقامته ولا يستقيم، كما قالت المعتزلة؛ لأن اللَّه - تعالى - مَنَّ على من استقام بمشيئة استقامته، فلو لم توجد الاستقامة من كل من شاء منه الاستقامة، لم يكن للامتنان معنى؛ لأن الاستقامة وغير الاستقامة تكون به، لا باللَّه تعالى، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
* * *