بحمده.
وجائز أن يكون هذا على الاستئناف في أن يركبه على ما هو عليه، على أي صورة شاء من الصور التي يستقذرها؛ ويمسخه قردا أو خنزيرا؛ لمكان ما يتعاطى من المعاصي؛ فيكون في ذكره تذكير القدرة والقوة؛ ليراقب اللَّه - تعالى - ويهابه؛ فيترك معاصيه، ويتسارع إلى طاعته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) فإن حملت قوله: (كَلَّا) على التنبيه والردع فممكن أن يعطف على ما قبله وعلى ما بعده، وكذلك إذا حملته على القسم بمعنى: حقا؛ فإنه يستقيم عطفه على الأمرين جميعا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِالدِّينِ) يحتمل أن يكون أريد به دين الإسلام.
والأصل: أن الدِّين إذا أطلق أريد به الدِّين الحق، وهو الإسلام، وكذلك الكتاب المطلق كتاب اللَّه تعالى.
ويجوز أن يكون أريد به: البعث والجزاء، وسمي: يوم الدِّين؛ لما ذكرنا أن الناس يدانون بأعمالهم.
والحكمة فيه - واللَّه أعلم -: أنهم قد أقروا بأن اللَّه - تعالى - أحكم الحاكمين، وتكذيبهم بيوم الدِّين يوجب أن يكون أسفه السفهاء، لا أن يكون أحكم الحاكمين؛ لأن الدنيا عواقبها الفناء والهلاك، فهم إذا كذبوا بالبعث فقد زعموا: أنهم ما أنشئوا إلا للهلاك والفناء، ومَن بنى بناء، ولم يقصد ببنائه سوى أن ينقضه ويهدمه، فهو سفيه، عابث في الفعل؛ فلم يحصلوا من تكذيبهم إلا على نفي الحكمة من الصانع، وتثبيت السفه لله تعالى، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرإ، وهو قوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وهم لم يكونوا يدعون أنهما خلقتا باطلا، ولا كانوا يظنون ذلك، ولكن الإنكار الذي وجد منهم بالبعث والجزاء يقتضي خلقهما بالطلا؛ فعلى ذلك إنكارهم بالبعث يزيل عنه القول بأنه أحكم الحاكمين، ويثبت ما ذكرنا من السفه، سبحانه وتعالى عما يصفون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) وهم لم يكونوا يقبلون الأخبار، ولا كانوا