وقَالَ بَعْضُهُمْ: الشح: البخل، الذي فيه الحرص.
قال: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) أضاف الوقاية إلى نفسه؛ ليعلم أن من اتقاه فإنما اتقاه بما وقاه اللَّه تعالى بلطفه وكرمه، ألا ترى إلى قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، كيف علمهم ذلك التقوى بقوله: (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أن قولوا: وقنا عذاب النار؛ ليعلم أن جميع أفعال العباد إنما تقوم وتصح بتدبير اللَّه - تعالى - وتوفيقه وتسديده وتقديره، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فيه أوجه من الدلالة:
أحدها: أن قوله: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) لم يبين فاعله، ففيه بيان أن في سلطان الله وملكه ما يقي به شح عبده، وأنه إذا وقاه شح نفسه أفلح، وكذلك في قوله: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ)، إخبار أن من ينصره اللَّه فلا يغلب، وقد يرى في الشاهد من لا يوق شح نفسه ألبتَّة، ومن قد يوق شح نفسه ولا يفلح، وقد نرى من يجاهد أعداءه فيغلب، مع ما وعده وأخبر أنه هو الغالب وأنه لا يغلب، فلا بد في ذلك من أحد وجهين:
إما أن لم يكن لله تعالى النصرة في ملكه وسلطانه كما ادعى، فهو كاذب فيما ادعى، وإما أن آتاه من القوة ما يقي به شح نفسه فلم يفلح؛ فصار كاذبا في خبره.
فأما المعتزلة فإنهم زعموا أن اللَّه تعالى قد آتى عبده جميع ما يقي به شح نفسه حتى لم يبق في خزانته شيء يؤتيه ليقي به شح نفسه - كذبة، وإذا لم يكن بد من نسبة الكذب إلى اللَّه تعالى أو إلى المعتزلة، كانت المعتزلة أولى أن ينسبوا إلى الكذب من رب العالمين فيما أخبروا هم، وأن اللَّه تعالى فيما أخبر صادق، وأن في ملكه وسلطانه ما لم يؤت عبده ليقي به شح نفسه، واللَّه المستعان.
وفيه دلالة على إبطال قول من قال: إن على الكفرة أداء هذه العبادات، والحقوق واجبة، وذلك أن اللَّه تعالى وعد في هذه الآية أن من وقي شح نفسه، وأدى ما وجب عليه من هذه الحقوق فقد أفلح، وقد ترى الكافر في الشاهد يوقى شح نفسه، ويؤدي


الصفحة التالية
Icon