وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (١٦) قَالَ بَعْضُهُمْ: تأويله منصرف إلى أهل أن نار وأهل الجنة؛ فأهل الجنة لا يغيبون عن الجنة، ولا أهل النار عن النار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أريد بها أهل النار خاصة: أنهم لا يغيبون عنها.
وأنكر بعض الناس الخلود لأهل النار في النار، ولأهل الجنة في الجنة، وقالوا: لو لم يكن لنعيم الجنة انقضاء، ولا لعذاب الآخرة انتهاء، لكان يرتفع عن اللَّه - تعالى - الوصف بأنه أول وآخر؛ لأنهما يبقيان أبدا؛ فلا يكون هو آخر، وقد قال: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ)؛ فلا بد من أن يكون لهما انتهاء حتى يستقيم الوصف بأنه آخر.
ولأنهما لو لم يوصفا بالانتهاء لكان علم اللَّه - تعالى - غير محيط بنهايتهما، فتكون النهاية مجاوزة لعلمه، واللَّه - سبحانه وتعالى - محيط بالأشياء وعالم بمبادئها ومناهيها؛ فلا بد من القول بفنائهما حتى يكون علمه محيطا بهما.
ولأنهم إنما استوجبوا الجزاء بأعمالهم، وأهل النار استوجبوا العقاب بسيئاتهم، فإذا كانت لسيئاتهم نهاية، ولخيرات أُولَئِكَ نهاية، فكذلك يجب أن يكون للجزاء نهاية أيضا.
والأصل عندنا: أن كل من اعتقد مذهبا فهو يعتقد التدين به أبدا ما بقي، لا يتركه.
ثم العقاب جعل جزاء للكفر، والثواب جعل جزاء للاتقاء عن المهالك بقوله: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)، وقال: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، فإذا ثبت أن كل واحد منهما جزاء للمذهب، وكان الاعتقاد للأبد؛ فكذلك جزاؤه يقع للأبد والدوام، لا للزوال والانقطاع.
والثاني: أن العلم بزوال النعيم مما ينغص النعمة على أربابها، ويمرر عليهم لذاتها، ويكدر عليهم ما صفا منها، فإذا كان كذلك لم يتم لهم النعيم، وأهل النار إذا تذكروا الخلاص من العذاب، تلذذوا بها، وهان عليهم العذاب؛ فوجب القول بالخلود؛ ليتم النعيم على أهله والعذاب على أهله.
والجواب عن قوله: إنه يرتفع عنه الوصف؛ لأنه أخبر: أن اللَّه - تعالى - استوجب الوصف بأنه أول وآخر بذاته لا بغيره، وغيره يصير أولاً وآخراً بغيره، ثم ما من شيء إلا وله أول وآخر، ثم لا يوجب ذلك إسقاط الأولية والآخرية عنه.
وقوله بأن [الله]- عَزَّ وَجَلَّ - لا يوصف بالإحاطة بالأشياء لو وجب القول بالخلود، فنقول بأن العلم بما لا نهاية له هو أن يعلمه غير متناهٍ، والعلم بالتناهي بما لا نهاية له


الصفحة التالية
Icon