ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، والآخرة سجن الكافر وجنة المؤمن "، فيرد كتابه إلى ذلك السجن، ويرد كتاب الأبرار إلى الجنة التي أعدت له، ثم تتبعه روحه، ثم جسده؛ فذلك قوله: (إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ).
ومنهم من قال: هو على التمثيل ليس على تحقيق المكان في العليين؛ وذلك لأن السجن هو مكان أهل الخبث في الدنيا، فمثلت أعمالهم بذلك؛ لخبثها وقبحها، ومثلت أعمال الأبرار بما ذكر من العليين، وذلك مكان أهل الشرف وأولي القدر؛ فيكون ذلك كناية عن طيب أعمالهم.
وقال الكسائي: السجين: مشتق من السجن؛ كقولك: رجل فسيق، وشريب، وسكيت.
ثم ذكر كتاب الفجار، والفجور يكون بالكفر وبغيره، فهذا اسم يقع به الاشتراك بين أهل الكفر وأهل الإسلام، لكنه ألحق عند التفسير بما يوجب صرف الوعيد إلى الكفار بقوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)، وكذلك نجد هذا الشرط ملحقا بالتفسير في جميع ما جرى به الوعيد بالاسم الذي يقع به الاشتراك؛ من نحو الفسق، وترك الصلاة، بقوله - تعالى -: (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)، وفيما جرى من الوعيد في الذي لا يؤتي الزكاة؛ فكان في ذكر التفسير على تقييده بالتكذيب قطع الشهادة وإيجاب العذاب على المكذبين، وفي ذكر الاسم الذي يقع به الاشتراك إيجاب الخوف على المسلمين الذين شركوا في ذلك الاسم، فترك قطع الشهادة عليهم بالوعيد؛ لما لم يذكروا عند التفسير.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (٨) فهو تعظيم ذلك اليوم، ووصفه بنهاية الشدة، أو على الامتنان على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه لم يكن يعلم ذلك حين أطلعه اللَّه عليه، وهكذا تأويل قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ).
وقوله: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٩) أي: الكتاب الذي في السجين مرقوم، والمرقوم، قالوا: مكتوب ومثبت.
والرقم عندنا: هو الإعلام، يقال: رقم الثوب؛ إذا أعلمه؛ فجائز أن يكون علمه هو أن يختم؛ فيكون فيه إخبار أنه لا يزاد على قدر ما عمل، ولا ينقص منها، وهو كما ذكرنا من


الصفحة التالية
Icon