يعطى الرجل مثل سعة الدنيا وعرضها " فذلك النظر يجاوز عما في الحجال؛ فيقع خارجا منها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) أي: تعرف لو نظرت في وجوههم نضرة النعيم، فجائز أن تكون النضرة منصرفة إلى نفس الخلقة، وهو أنهم أنشئوا على خلقة لا تتغير، ولا تفنى، بل بهجة نضرة.
أو تكون نضارتهم بما أنعموا من النعيم.
ثم خصت الوجوه؛ لأن النظر من بعض إلى بعض يكون إلى الوجوه، لا إلى غيرها من الأعضاء؛ فخصت الوجوه بالذكر لهذا، لا أن تكون النضرة لها خاصة؛ بل النضرة تشتمل سائر البدن.
والثاني: أن السرور إذا اشتد في القلب أثر في الوجوه، وكذلك الحزن يؤثر في الوجه إذا اعترى في القلب؛ فيكون في ذكره نضرة الوجه إخبار عن غاية ما هم عليه من السرور.
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦) وقوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ... (٢٥) قَالَ بَعْضُهُمْ: الرحيق: هو الخمر الذي لا غش فيه، وهو أن يكون مطهرا من الآفات.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو شيء أعده اللَّه - تعالى - لأوليائه، لم يطلعهم على ما يتهيأ في الدنيا على ما قال: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)، فهو شراب تقر به أعينهم مما أخفي لهم إلى الوقت الذي يشربونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَخْتُومٍ. خِتَامُهُ مِسْكٌ.... (٢٦) جائز أن يكون راجعا إلى حال الإناء الذي فيه الرحيق، وهو أنه مختوم لم تتناوله الأيدي، وكذلك ترى المرء في الدنيا يختم نفيس شرابه الذي في الإناء [بالْفِدَامِ] في الدنيا، فيخبر أن ذلك الشراب في الإناء على الوجه الذي كانوا يؤثرونه في الدنيا، وأخبر أن ختامه بأنفس شيء عرفوه في الدنيا، وهو المسك، ليس كالختام في الدنيا؛ لأنهم يختمون أوانيهم في الدنيا بالشيء الرذل، وبما لا قدر له عندهم.
وجائز أن يكون منصرفا إلى الشاربين: أنهم لا يشربون أبدًا، بل يكون له ختم ولكن لا تنقطع لذة الشراب عنهم؛ بل أبدا يجدون من ذلك ريح المسك.


الصفحة التالية
Icon