وهما لا يوصفان بطوع ولا إكراه، ولكن خلقتا على هيئة لو وجدت تلك الهيئة فيمن وصف بالطوع والإكراه، كان ذلك منه طوعا.
وقال إبراهيم - عليه السلام -: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)، وهي في الحقيقة لا تضل، ولكنها أنشئت على هيئة لو كانت تملك الإضلال، لعد ذلك منها إضلالا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) قيل: بسطت، وسويت بكسر الشعاب والأودية بالجبال، أو بما شاء؛ فصارت: (قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤) أي: ألقت ما وضع فيها من الموتى والكنوز؛ فتخلت عنها؛ فنسب التخلي إليها، وإن كان من فيها هو الذي خلا عنها، وكانت هي الحابسة؛ لأنه إذا خلا عنها خلت هي عنه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦) الكادح: هو الساعي، وهو الذي اعتاد ذلك، وهذا في كل الإنسان، تراه أبدا ساعيا إما في عمل الخير أو عمل الشر، أو فيما ينفعه أو فيما يضره، حتى لو هم بترك السعي لم يقدر؛ لأن تركه السعي نوع من السعي.
وروي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال حين تلا هذه الآية: " أنا ذلك الإنسان " فهذا ليس أنه هو المخصوص بالخطاب؛ لأنه بين الإنسان، فقال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)، ولا يجوز أن يكون هو المراد بهذا كله، فكل أحد على الإشارة إليه مراد بقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ)، فلذلك قال النبي - عليه السلام -: " أنا ذلك الإنسان ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا) وجائز أن يكون معناه: أن اجعل كدحك إلى ربك في أن تسعى في طاعته وطلب مرضاته؛ فإنك ملاقيه لا محالة؛ أي: تلاقي جزاء عملك: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وجائز أن تكون الملاقاة كناية عن البعث؛ إذ البعث قد يكنى عنه بلقاء الرب، قال اللَّه - تعالى -: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ)، وسمي ذلك اليوم: يوم المصير


الصفحة التالية
Icon