في إنشاء عدوه وهو عالم أنه يسعى في معاداته؟!.
فجوابه - واللَّه أعلم -: أن الذي يشرع في الأمر الذي علم أن إتمامه يضره ولا ينفعه، إنما لحقته المذمة؛ لما سعى في إضرار نفسه، فأما الذي أعرض عن إطاعة اللَّه - تعالى - وكفر به فإنما اكتسب الضرر على نفسه خاصة بأن أوقعها في المهالك، ولم يضر غيره؛ لذلك لم تلحقه المذمة في خلقه وإنشائه، وفي هذا دلالة أن اللَّه - تعالى - حيث خلق الخلق لم يخلقهم لمنفعة له ولا لمضرة تلحقه من جهتهم؛ بل منافعهم ومضارهم راجعة إلى أنفسهم، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥).
وقوله - تعالى -: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) منهم من حمل قوله: (فَلَا) على دفع منازعة وقعت فيما بين القوم؛ على ما نذكر في سورة (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) إن شاء اللَّه، وإنما القسم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُقْسِمُ).
ومنهم من جعل " لا " بحق الصلة.
فإن كان على الوجه الأول، لم يجز حذف " لا " من الكلام؛ بل حقه أن يقرأ (فَلَا أُقْسِمُ).
وإن كان بحق الصلة استقام حذفه، كما قرأ بعض القراء: (فَلَا. أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ).
ثم الشفق هو أثر النهار، فجائز أن يكون القسم واقعا على النهار كله، وإن كان ذكر طرفا منه.
والثاني: أن الشفق يجتمع فيه أثر النهار -وهو النور الذي فيه- وأثر الشمس -وهو الحمرة التي تكون فيه- فيكون القسم واقعا على النهار بما فيه، كما كان واقعا على الليل بما فيه؛ لقوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ)؛ فيكون فيه حجة لقول أبي حنيفة - رضي الله عنه -: إن وقت العشاء لا يدخل حتى يغيب البياض؛ لأن وقتها يدخل بغيبوبة الشفق، والشفق وجدناه مشتملا على البياض والحمرة، فما لم يتم الغيبوبة لم يهجم وقتها؛ ألا


الصفحة التالية
Icon