ترى أن الصلاة التي تلي الغروب لا يدخل وقتها حتى يتم غروب الشمس، فعلى ذلك الصلاة التي تلي غروب الشفق لا يدخل وقتها حتى يتم الغيبوبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَسَقَ)، أي: وما ساق وحمل معه من الظلمة والنجم والدابة، وغير ذلك.
والوسق: الحمل، يقال: وسق بعير، أي: حمل بعير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: وسق، أي: جمع وساق كل شيء إلى مأواه من الطير والسباع، فذكر النهار والليل؛ لما فيهما من المنافع.
وقوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) فالاتساق: الاجتماع، ومعناه: استوى، وكمل؛ إذ ذلك اجتماعه، وذلك في ليالي البيض.
وقال أبو بكر الأصم: معناه: أنه جُمع وسوي بعد أن كان كالعرجون القديم فيذكرهم قوته؛ ليعلموا أنه قادر على بعثهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) قرئ بنصب الباء ورفعها، وكلا القراءتين في المعنى واحد، وإن كان في الظاهر إحداهما للجمع والأخرى للوحدان، وإحدى القراءتين بحرف الجمع ليذكر بالرفع، فإن قوله: (لَتَرْكَبُنَّ) منصرف إلى كل إنسان في نفسه خاصة لا على الاقتصار على شخص واحد؛ لما ليس في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ)، إشارة إلى شخص بعينه، ولكن المراد منه الجملة؛ فثبت أن الخطاب منصرف إلى الجملة.
ثم قوله: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قيل: حالا بعد حال.
ثم جائِز أن يصرف إلى دار الآخرة، فكأنه قال: لتركبن حال الآخرة بعد حال الدنيا؛ فيكون فيه تصريح القول على إيجاب البعث.
ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا، فينتقل إلى حال المضغة بعد كونه مضغة، وإلى حال العلقة، وإلى حال الطفولة، إلى أن يبلغ أشده، فلا يزال يركب حالة بعد حالة؛ فيكون في تنقله من حال إلى حال إبانة أنه لم يرد من إنشائه أن تتغير عليه الأحوال فقط، بل أريد به العاقبة التي بها صار إنشاء الخلق حكمة لا عبثا؛ فيكون قوله: (لَتَرْكَبُنَّ) منصرفا إلى كل


الصفحة التالية
Icon