وقوله: (حَلِيمٌ).
وصف نفسه بالحلم، وعلى قول المعتزلة لا يتحقق هذا الوصف؛ لأنهم يقولون: إنه إذا وجبت العقوبة، فليس لله تعالى أن يؤخرها كرمًا منه، وأنه فيما أخرها كان ذلك حقًّا عليه؛ حيث رأى الأصلح في تأخيرها، ومعلوم أن من أدى حقًّا عليه لم يوصف بالحلم، ولكنه يقال: إنه ينفي الجور، والحليم من يحلم عن عقوبة لزمت فيؤخرها ويتركها ويعفو صاحبها عنها؛ فيوصف بالحلم عند ذلك، وأما أن يكون عليه تأخيرها، فلا يوصف بالحلم في هذا الموضع، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ... (١٨).
يعني: عالم ما غاب من أفعال الخلق عن الملائكة، وعالم بما شهدوا من أفعالهم، وعالم بما غاب عن العباد، وبما شهده العباد.
وقوله: (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
العزيز: الذي لا يعجزه شيء، والحكيم: الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره، ثم المعتاد في القرآن أنه يذكر العزيز الحكيم بعد ذكره خلق الكفرة؛ ليعلم أن فسادهم لا يوجب وهْنًا في حكمته وتدبيره، ولا يبطل عزه وسلطانه؛ لأن من صنع إلى آخر شيئًا يعلم أنه يفسد؛ دل ذلك على جهله بالتدبير وإذا استعمل عبده بما يهلكه؛ دل على ذله فأخبر بعد خلق الكفرة: أنه عزيز ليعلم أن كفرهم لا يوجب نقصا في عزه، ولا يدخل ذلا عليه، وأن فسادهم لا يخرجه عن الحكمة والتدبير، واللَّه أعلم بالصواب.
* * *