أنه لم يختلف، إلى من عنده علم هذه الأنباء؛ ليعلم بها، فإذا أنبأهم بها على وجهها، تيقنوا أنه باللَّه تعالى علم.
وفيه تصبير لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتخفيف الأمر عليه؛ لأنه يخبره أن قومك ليسوا بأول من آذوك وعاندوك، بل لم يزل سلفهم تلك عادتهم بأهل الإسلام.
وفائدة أخرى: ما ذكرنا أن في ذكره بعض ما يستعين به من ابتلي بأذى الكفرة.
وفيه أن أُولَئِكَ الكفرة بلغ من ضنهم بدينهم ما يقاتلون عليه من أظهر مخالفتهم في الدِّين؛ ليعلموا أن القتال لمكان الدِّين ليس بأمر شاق خارج من الطباع؛ بل الطباع جبلت على القتال مع من عاداهم في الدِّين؛ فيكون فيه ترغيب للمسلمين على القتال مع الكفرة إذا امتحنوا به، واللَّه أعلم.
وقوله: (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) منهم من جعل الوقود من ألقي فيها من المؤمنين.
ومنهم من جعل الوقود صفة تلك النار التي عذبوا بها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) أي: عظماؤهم وكبراؤهم جلوس عند الأخدود؛ ففيه أن أتباعهم هم الذين كانوا يتولون إلقاء المؤمنين في النار، وكبراؤهم جلوس هنالك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون الشهود هم العظماء والفراعنة.
أو يكون منصرفا إلى الأتباع، وهو أن الأتباع كانوا يلقون المؤمنين في النار، ويشهدون أنهم على الضلال، وأنهم ورؤساؤهم على الهدى ولحق، وهو كما قال في موضع آخر: (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) ذكر (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ليعلم أنه لا يلحقه ذل بما يحل من الذل بأوليائه وأهل طاعته، ولا في حمده قصور بقهر أوليائه، خلافا لما عليه ملوك الدنيا، وذلك أن ملوك الدنيا إذا حل بأولياء واحد منهم ذل، كان الذل حالا فيه أيضا، وإذا قهر بعض أتباعه فترك نصرهم وهو قادر على نصرهم واستنقاذهم لم يحمد ذلك منه، ولحقته المذمة؛ وذلك لأن الملك إنما استفاد العز بأتباعه وأنصاره، فإذا استذل أتباعه، زال ما به نال العز؛ فلحقه الذل، ونال