عليهم أن يؤمنوا باللَّه - تعالى - ويشكروه بما خولهم من النعم، ويدعوا غيرهم إلى الإيمان به، لا أن يقتلوا ويعذبوا من آمن به.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) العزيز: هو الذي لا وجود له، أو هو عزيز لا يلحقه ذل؛ فيكون العز مقابل الذل.
وقال أهل التفسير: العزيز: المنيع، والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء، وهو الحميد المستوجب للحمد من كل أحد بذاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... (٩).
ذكر هذا؛ ليعلم أنه لا يدخل في ملكه قصور بقتل أوليائه وأنصار دينه؛ لأن الخلق كلهم عبيد لله - تعالى - وإماؤه، والسيد إذا قتل بعض مماليكه بعضا، لم يلحق السيد بذلك ذل ولا نقص، وإنما يدخل عليه الذل إذا قتلهم غير مماليكه، فإذا كان الخلق بأجمعهم عبيدًا لله - تعالى - لم يكن في قتل بعضٍ بعضًا نقص يدخل في ملكه.
وقوله: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، أي: يحفظ عليهم أعمالهم؛ فيجازيهم بها، لا يعزب عنه شيء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠) الفتنة: المحنة، وهي مأخوذة من فتن الذهب إذا أذابه؛ لأنه يذيبه؛ ليميز به بين ما خبث منه وبين ما صفا، وبين الذهب وبين ما ليس بذهب؛ فاستعملت في موضع المحنة؛ لأن المحنة هي الابتلاء؛ ليتبين بها الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، وذلك يكون بالأمر والنهي؛ فسمي الأمر والنهي من اللَّه - تعالى - امتحانا لهذا، وإن كان اللَّه - تعالى - لا يخفى عليه شيء.
ثم وجه فتنتهم: أنهم اتخذوا الأخاديد وأوقدوا فيها النيران؛ ليلقوا فيها من ثبت على الإيمان ودام عليه، ويتركوا إلقاء من رجع عن دينه، فقيل: فتنوا؛ لهذا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا): فيه أنهم لو تابوا لكان يعفى عنهم، ولا يعاقبون مع عظم جرمهم بربهم في ذات اللَّه - تعالى - فيكون فيه إظهار كرمه وعطفه على خلقه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ): منهم من صرف قوله:


الصفحة التالية
Icon