(وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) إلى الدنيا، فقال بأن تلك النار التي عذبوا بها المؤمنين سلطت عليهم حتى أحرقتهم.
وجائز أن يكون ذلك في جهنم أيضا؛ فيكون فيه إخبار بأن نار جهنم تدوم عليهم بالإحراق، ولا تفتر عنهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) منهم من صرف هذا الخطاب إلى الذين عذبوا من المؤمنين.
ومنهم من صرفه إلى المعذبين، وهو أنهم لو آمنوا مع عظم جرمهم وإساءتهم بأولياء اللَّه - تعالى - لكان يعفو عنهم، وتسعهم رحمته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) فقوله: (مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) يحتمل وجهين:
أحدهما: من تحت أهلها.
والثاني: من تحت أشجارها.
والجنة: اسم للمكان الذي فيه الأشجار الملتفة؛ فيخبر أن الماء يجري من تحت ما به صار جنة وهي الأشجار، وليس يراد بقوله: تحت الجنة، أي: تحت تربتها؛ لأن تحتها تكون قناة أو بئرا، وليس بهما كثير نزهة.
وقوله: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) الفائز هو الذي يظفر بما يأمل، وينجو عما يخاف، ويحذر، ووصف أنه كبير؛ لأنه ليس لما أنعم زوال ولا انقطاع.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ. وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)، أي: أخذه للانتقام شديد، يشتد على الذي يعذب؛ كقوله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
وقوله: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣).
قَالَ بَعْضُهُمْ: يبدئ العذاب، ثم يعيده.


الصفحة التالية
Icon