كان الحال بخلاف ذلك الوصف؛ بل يلزمه أن يذكر من نفعه ومن لا ينفعه؛ قال اللَّه - تعالى -: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) الآية، أمر بالتذكير على الإطلاق.
ثم قوله - تعالى -: (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ذكر فقد نفعت الذكرى، وهو كقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا)، ومعناه: قد كان وعد ربنا مفعولا.
وقد نفعت الذكرى؛ لأنه بتذكيره أسلم من أسلم منهم، وبه فازوا، وبه نالوا الدرجات العلا، وقال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
أو يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) فسيأتي على أقوام حالة لا تنفعهم الذكرى لديها، وتلك حالة المعاينة لبأس اللَّه وعذابه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠) أي: يتعظ بها من يخشى اللَّه تعالى أو المعاد، قال اللَّه - تعالى -: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ)، أي: بالقرآن، وذلك أن الذي يحملهم على الإيمان بالآخرة إيمانهم بهذا الكتاب؛ لأن في القرآن تذكيرًا للآخرة، وأمرا بالاستعداد لها؛ فلذلك خشيته تحمله على الاتعاظ بالذكرى والانتفاع بها، والخشية هي الخوف اللازم في القلوب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) أضاف التجنب هاهنا إلى الأشقى، وهو الشقي، وفيما ذكر الأتقى أضاف التجنب إلى نفسها بقوله: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)؛ فيكون في هذا دلالة الإذن بإضافة الخيرات إلى اللَّه - تعالى - وفي الأول دلالة منع إضافة الشرور إليه؛ وهذا لأن إضافة الخيرات إلى اللَّه تعالى تخرج مخرج الشكر له، وهو حقيق بأن تشكر نعمه، وليس في إضافة الشرور إلى آخر شكر له؛ فلم يصح أن تضاف إليه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣) أي: لا تنقضي عنه أفعال الموت، وهي آلامها وأوجاعها، بل يبقى في آلامها أبدًا؛ قال اللَّه - تعالى -: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ