وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) قَالَ بَعْضُهُمْ: بمسلط.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لست بجبار.
فإن أريد به الوجه الأول فهو مما يحتمله، ويجوز أن يسلط عليهم في أن يؤذن بقتالهم، وأسرهم وقهرهم ببذل الجزية؛ ولهذا قيل: إن هذا كان قبل نزول سورة براءة.
وإن كان تأويله: لست بجبار عليهم؛ على ما روي عن مجاهد؛ فهذا الوجه مما لا يرد عليه النسخ، ولا يجوز أن يصير جبارا عليهم، ولا يكون قوله: (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) استثناء، ويكون معناه: لكن من تولى وكفر فيعذبه اللَّه العذاب الأكبر، أي: من أعرض عن طاعة اللَّه تعالى وكفر بوحدانية اللَّه تعالى وبكتبه ورسله، فيعذبه اللَّه العذاب الأكبر.
وعلى التأويل الذي قيل: إن المسيطر هو المسلط بالسيف والأسر والقهر بالجزية التي هي صغار عليهم - يكون قوله تعالى: (تَوَلَّى وَكَفَرَ) على الاستثناء، أي: من أعرض عن طاعة اللَّه تعالى، وكفر بوحدانيه اللَّه فسيسلط عليهم بالسيف، والأسر، وأخذ الجزية.
وقيل: (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ)، أي: أعرض، ولزم الإعراض؛ فيكون مسيطرا عليهم.
أو تولى وقت التذكير فسينتصر عليه، وباللَّه النجاة.
وفي هذه الآية بشارة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالظفر على الذين تولوا عن طاعة اللَّه تعالى وكفروا به.
وفيه آية رسالته؛ لأنه قال هذا في وقت ضعفه، وقلة أنصاره، وكان الأمر كما قال؛ إذ نصره اللَّه - تعالى - بالرعب مسيرة شهرين، وفتحت له الفتوح؛ ليعلم أنه باللَّه - تعالى - علم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) أي: مرجعهم.
وقوله: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦) أي: من الحكمة أن نحاسبهم، وإذا كانت الحكمة توجب حسابهم وتعذيبهم، كان عليه أن يحاسبهم لما في تركه ترك الحكمة، وفي تركها سفه، تعالى اللَّه عن ذلك، وباللَّه النجاة، ومنه التوفيق.
* * *


الصفحة التالية
Icon