وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) أي: يُسرى بها، وفي ذلك كناية عن الجهاد والإغارة بالليل، كما يذكر في قوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا. فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا. فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا)؛ فيكون هذا كله إشارة إلى جملة العبادات.
ووجه القسم بالعبادات: أن اللَّه - تعالى - عظم أمر العبادات في قلوب الخلائق؛ حتى تراهم جميعا يستحسنونها ويعظمون أمرها، وإنَّمَا يقع الاختلاف بينهم في ماهيتها -إلا أن يقع التمانع بينهم في أنفسها- فأقسم بها.
وجائِز أن يكون أريد بالوتر هو اللَّه تعالى، وأريد بالشفع الخلائق؛ إذ خلقهم أزواجا، واللَّه تعالى هو الواحد بذاته؛ فيكون القسم بذاته وبجميع الخلق.
ويحتمل أنه أريد بالشفع والوتر الخلائق جملة؛ إذ فيهم المعنيان جميعا: الشفع، والوتر؛ فيكون قسما بجميع الخلائق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) يحتمل أن يكون تأويله: أن وجه القسم بهذه الأشياء يعرفه ذوو الحجر، وهم ذوو الألباب والحجا، لا أن يعرفه الجهلة.
قالوا: وموضع القسم على قوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).
وجائِز أن يكون وقع التنازع فيما بينهم، وكانوا يزعمون أن أوقات الحج، وهي الليالي العشر، والشفع والوتر، ليس يقسم بها؛ فقال: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)، أي: للعاقل إذا تدبر فيها عرف أن هذه الأوقات بالتي تحتمل أن يقسم بها أو هذه الأوقات بالتي تدلهم على القول بالبعث.
وقيل: إنما أقسم بهذه الأيام؛ لعظم قدر هذه الأيام وخطرها عندهم؛ لما فيها من صلاح معايشهم، ويكون لهم فيها سعة العيش: أما الفقراء بالهدايا والبدن، وأما غيرهم بأنواع المكاسب والتجارات؛ فإنهم كانوا يستعدون الأشياء، ويهيئون من السنة إلى السنة للتجارة في هذه الأيام؛ فأقسم اللَّه - تعالى - بهذه الأيام لكونها معظمة عندهم.
وقيل: إن موضع القسم غير مذكور في هذه السورة؛ لأنه كان على أثر حادثة عندهم معروفة، استغنى عن ذكرها؛ لشهرتها عندهم؛ فأقسم أنها لحق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا