وقال اللَّه، تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، وكان معناه: إن تنصروا دين اللَّه؛ لا أن اللَّه - تعالى - يلحقه ضعف يحتاج إلى من يقويه.
وقال اللَّه، تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)، وكان معناه: أنه يحذركم عذابه؛ لا أن أريد به تحقيق النفس.
ومثل هذا في القرآن أكثر من أن يحصى؛ فثبت أن محل الإضافات ما ذكرنا؛ فلذلك حمل على الوعد والوعيد، أو على الوقت الذي به صار خلق العالم حكمة، أو على ما صلح فيه من الإضمار.
ومما يدل على أنه لا يفهم بالمجيء معنى واحد، بل يقتضي معاني: أن المجيء إذا أضيف إلى الأعراض، فُهِم به غير الذي يفهم به إذا أضيف إلى الأجسام؛ فإنه إذا أضيف إلى الأعراض أريد به الظهور؛ قال اللَّه تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ)، ومعناه: إذا ظهر نصره، ولم يرد به الانتقال، ولو كان مضافا إلى الجسم، فهم منه الانتقال من موضع إلى موضع.
وقال اللَّه تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)، ومعناه: ظهر الحق، واضمحل الباطل، لا أن يكون الحق في مكان، فنقل عنه إلى غيره؛ فثبت أن المجيء إذا أضيف إلى شيء وجب أن يوصل به ما يليق به؛ لا أن يفهم به كله معنى واحد.
وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال - حكاية عن اللَّه تعالى -: " من تقرب إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إليَّ ذراعا، تقربت إليه باعا، ومن أتاني ساعيا أتيته هرولة " ولم يفهم من هذا التقرب ما يفهم منه إذا أضيف إلى الخلق، وكان معناه: من تقرب إليَّ بالطاعة والعبادة تقربت إليه بالتوفيق والنصر أو بالإحسان والإنعام.
وقال موسى - عليه أن سلام -: " يا رب أقريب أنت فأناجيك أو بعيد فأناديك؟! "، ولم يرد به المكان؛ وإنما أراد بقوله: أراضٍ أنت عني فأناجيك، أو ساخط عليَّ فأناديك في أن أعلن بالبكاء والتضرع؟!
ثم الأصل في المجيء المضاف إلى اللَّه - تعالى - أن يتوقف فيه، ولا يقطع الحكم على شيء؛ لما ذكرنا أن المجيء ليس يراد به وجه واحد؛ لأنه إذا أضيف إلى الأعراض


الصفحة التالية
Icon