أحدهما: على تحقيق العقبة، وهو أن يكون في النار عقبة لا تجاوز ولا تقطع إلا بما ذكر من فك الرقبة والإطعام في يوم ذي مسغبة، كقوله - تعالى -: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) على تحقيق العقبة؟ معناه: وما يدريك بم تقطع تلك العقبة؟ ثم بين أنها تقطع بما ذكر من فك الرقبة ونحوه.
وجائز أن يكون على التمثيل لا على التحقق، ووجهه: أنه يشتد عليه تحمل المؤن التي ذكر من فك الرقبة، وإطعام المساكين، ومواساة اليتيم؛ فتكون العقبة كناية عن تحمل المؤن، لا على العقبة نفسها، وهو كقوله: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)، أي: يصير الإيمان عليه في الشدة والثقل كأنه كلف الصعود إلى السماء، ويشتد على الأول تحمل المؤن، كما يشتد عليه قطع العقبة والصعود عليها.
والاقتحام: هو رمي النفس في المهالك.
وقيل: الاقتحام: هو تحمل المؤن:
فإن كان على تحمل المؤن، فوجهه ما ذكرنا: أن كيف لم يتحمل هذه المؤن؛ ليصير من أهل الميمنة؟
وإن كان على الرمي في المهالك؛ فكأنه يقول: قد أهلك نفسه بتركه الإنفاق في الوجوه التي ذكر، والإعراض عن الإيمان باللَّه تعالى، بتركه فكاك الرقبة.
وروى أبو بكر الأصم في تفسيره خبرا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن رجلا سأله فقال: يا رسول اللَّه، دلني على عمل أدخل به الجنة؟ فأمره بعتق النسمة، وفك الرقبة؛ فقال السائل: أليسا هما واحدا؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا؛ عتق النسمة: أن تعتقها، وفك الرقبة: أن تعين على فكاكها ".
ففكاك الرقبة: أن تخلصها من وجوه المهالك، وذلك يكون بالتخليص عن ذل الرق، وأن ترى إنسانا يهم بقتل آخر بغير حق؛ فتدفع عن المظلوم شر الظالم، وتراه يغرق؛


الصفحة التالية
Icon