الهدى، الذي هو ضد الكفر ومقابله.
فأما على إرادة البيان؛ فكأنه قال: إن علينا غاية البيان في حق الحكمة والعدل فيما يمتحنون، حتى إن كان التقصير والتفريط فإنما يكون من قبل أنفسهم، لا من قبل الله تعالى، أي: يبين لهم كل شيء غاية البيان ونهايته؛ لتزول الشبهة عنهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل وجها آخر، وهو أن يقول: إن علينا هداية من استهدانا واجتهد في طلبها؛ كقوله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
ووجه آخر: إن علينا إنجاز ما وعدنا على الهدى لمن اهتدى واختاره يخرج تأويل الآية على إرادة البيان من الوجوه التي ذكرنا.
وأما على إرادة حقيقة الهدى الذي هو مقابل الكفر؛ فكأنه قال: إن علينا التوفيق والمعونة والعصمة في حق الإحسان والإفضال، لا على أن ذلك عليه لهم.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إن علينا بيان ما للآخرة والأولى؛ كي لا يزول عن قصد الطريق؛ فيهلك نفسه في كل مضيق ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣):
فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: يقول - واللَّه أعلم: إنكم تعلمون أن لنا الآخرة والأولى، وليس لما تعبدون من الأصنام والأوثان لا آخرة ولا أولى، فكيف صرفتم عبادتكم عمن له الآخرة والأولى إلى من ليس له الآخرة والأولى، على علم منكم بذلك؟ يسفههم في اختيارهم عبادة الأصنام على عبادة اللَّه تعالى.
والثاني: يقول - واللَّه أعلم -: إن لنا الآخرة والأولى؛ فما بالكم تبخلون بالإنفاق على أنفسكم، وما يرجع منفعته إليكم، بما ليس لكم في الحقيقة، وإنَّمَا هو لله تعالى؟! وهذا التأويل صلة قوله - تعالى -: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى...) الآية، والأول يكون صلة قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) أي: نارا تتوقد، وتتلهب، أو تتشعب، على ما ذكر من صفتها.
ثم ذلك الإنذار يكون للفريقين: لأهل التوحيد، ولأهل الشرك جميعا، واللَّه أعلم.