وقَالَ بَعْضُهُمْ: إذا سكن وركد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (إِذَا سَجَى): إذا غشي وأظلم، وغطى كل شيء وستر، وهو من التسجي والتستر؛ يقال: تسجى قبر المرأة؛ إذا تستر وتغطى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) على هذا وقع القسم، ثم اختلف في السبب الذي لأجله نزل هذا:
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان سئل عن شيء إذ طلبوا منه شيئا، فقال: أفعل ذلك غدا، أو أجيبكم عنه غدا، ولم يستثن؛ فاحتبس عنه الوحي أياما لذلك؛ فقال المشركون: ودَّعه ربه وقلاه، أي: تركه وأبغضه.
ومنهم من قال: إنه أبطأ عليه الوحي، فجزع جزعا شديدا، فقالت له خديجة - رضي اللَّه عنها -: " إني لأرى قلاك ربك وودعك "؛ مما ترى من جزعه؛ فنزل قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى).
ولسنا ندري كيف كان الأمر؟ فإن كان نزل ذلك لقول قريش، فالقسم يحتمل كذلك؛ ردا لقولهم.
والقول الثاني: أنه نزل لقول خديجة - رضي اللَّه عنها - فهو غير محتمل؛ لأن خديجة تعلم أن اللَّه - تعالى - لم يودعه ولا قلاه، وكذا كل مؤمن معتقد أن اللَّه - تعالى - لا يودع أحدا من رسله.
ولأنها تصدق الرسول - عليه السلام - أنه لم يودعه ولا قلاه إذا أخبرها بغير قسم؛ فلا معنى للقسم؛ فدل أن هذا الوجه غير محتمل.
ثم صرف تأويل الآية إلى غير ما قالوا أشبه عندنا وأقرب مما قالوا، وهو أنه - عليه السلام - بعث إلى الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم قتل من خالفهم، وإهلاك من


الصفحة التالية
Icon