من التعوذ من غنى يطغي، وفقر ينسي؛ لأن الغنى يحمل على التكبر والافتخار، والطغيان هو المجاوزة عن الحد والتعدي فيه، والفقر المنسي: هو المجهد الذي ينسي غيره من النعم، أعني: ينسي غير المال من صحة البدن والعقل والعلم ونحو ذلك.
وقوله: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) ليس هذا وصف ذلك الكافر بعينه على ما ذكره أهل التأويل -: أبي جهل لعنه اللَّه - ولكن كل كافر يطغى؛ إن رأى نفسه غنية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨):
أي: المرجع كذا قال أبو عبيد.
وقال غيره: الرجوع.
ثم يحتمل قوله: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)، أي: المرجع للكل إلى ما أعد لهم: أعد للكافر النار، وللمؤمن الجنة؛ على ما ذكر في الآية.
وجائز أن يكون إخبارا عن رجوع الكل إليه.
ثم قوله: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى)، أريد به إنسان دون إنسان؛ إذ لم يطغ كل إنسان، ولا خلف يقع في خبر اللَّه تعالى؛ فكأن المراد منه: البعض؛ ليعلم أن الفهم بظاهر الخطاب والعموم ليس بواجب، ولكن على حسب قيام الدليل على المراد منه.
وفيه أن المراد منه قد يكون مبينا مقرونا به، وقد يكون مطلوبا غير مقرون به.
* * *
قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠):
ذكر أهل التأويل أن الذي ينهى: أبو جهل - لعنه اللَّه - (عَبْدًا إِذَا صَلَّى): رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وذلك أنه كان يصلي في الحجر، فكان ينهاه أبو جهل؛ فنزل: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى).
وجائز أن يجمع هذا كله في الوعيد الذي ذكره على أثر ذلك، وهو قوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ


الصفحة التالية
Icon