اللَّهَ يَرَى)، كأنه قال: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، أرأيت الذي ينهى من كان على الهدى، أو أمر بالتقوى، وهو رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان ينهاه ذلك الكافر إذا صلى، وينهاه عن الهدى، وعن الأمر بالتقوى، أرأيت الذي كذب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتولى عن طاعة الله تعالى، ألم يعلم بأن اللَّه يرى؟!
يدخل جميع ما ذكر في هذا الوعيد؛ فيكون ذلك جوابا لما تقدم من قوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى. عَبْدًا إِذَا صَلَّى...) إلى آخر ما ذكر.
وجائز أن يكون جواب قوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى. عَبْدًا إِذَا صَلَّى) مسكوتا عنه؛ ترك للفهم.
ثم قوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) أي: ألم يعلم بأن اللَّه يرى؛ فينتقم منه لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
أو: ألم يعلم بأن اللَّه يرى؛ فيدفعه عما هم برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فهو وعيد.
ثم قوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) يحتمل وجهين:
أحدهما: قد علم بأن اللَّه يرى جميع ما يقوله، ويفعله، ويهم به، لكنه فعل ذلك على المكابرة والعناد.
والثاني: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) على نفي العلم له بذلك؛ إذ لو علم بأن اللَّه يرى، ويعلم ما يفعله من النهي عن الصلاة والمكر به، لكان لا يفعل ذلك به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦):
أي: حقا لئن لم ينته عن صنيعه الذي يصنع برسول اللَّه (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ)، أي: لنأخذن بالناصية؛ كأنه عبارة عن الأخذ الشديد، والجر الشديد على الناصية.
ثم يحتمل أن يكون ذلك الوعيد له في الدنيا: أنه لو لم ينته عما ذكر:
فإن كان في الدنيا فتكون السفع كناية عن العذاب، أي: لنعذبن.
وقيل: قد أخذ بناصيته يوم بدر، فألقي بين يدي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قتيلا.
وإن كان في الآخرة، فهو عن حقيقة أخذ الناصية؛ كقوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا...)، وقوله: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ...).