أحدها: أنه لما قال: (مِنْ بُيُوتِهِنَّ) دل أنه ألزمهن السكون في بيوتهن التي كن فيها في حالة قيام النكاح؛ فيكون دليلا لقول أصحابنا: إنه ليس للزوج أن يسكنها معه في بيته الذي هو فيه، بل يتركها في ذلك المسكن، وينتقل هو بنفسه إن كان يريد الانتقال؛ يصحح هذا قوله: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) فلما أدخل حرف (من) في هذه الآية دل أن الواجب على الزوج أن يسكنها في بيت من بيوته، ولا يدخل عليها في ذلك البيت إلى أن تنقضي عدتها، واللَّه أعلم.
ثم المعنى عندنا في قوله: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)؛ ليَحْصِنَّ ماءكم، ولا يخرجن؛ خوفا من وطء غير الأزواج واشتباه النسب لو حبلن، وإذا كان النهي عن إخراجها من البيت لهذا المعنى، لم يكن بد من إيجاب النفقة عليه؛ لأنها إنما تكتسب نفقتها بالخروج، فإذا نهيت عن الخروج؛ لتحصن ماءه، لم يحتمل أن تكون النفقة على غيره، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ).
روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: من شاء باهلته أن قوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ) نزل بعد قوله في سورة البقرة: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)، وجعل عدة الحامل بوضع الحمل، ولا يعتبر أبعد الأجلين، لكن إن كان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يباهل، فعلي - رضي اللَّه عنه - لا يباهَل، ويقول بأن قوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ)، لا يجوز أن يدخل في قوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ)؛ وذلك لأن قوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ) إنما ذكر في عدة الطلاق، وعدة الطلاق لا تتضمن عدة الوفاة إذا كانت بالحيض، لم تدخل عدة الطلاق في عدة الوفاة؛ ألا ترى أن من طلق امرأته وهي حائل ممن تحيض، ثم مات عنها زوجها قبل انقضاء عدتها، لم تدخل عدة الوفاة في الحيض الثلاث، بل الحِيَضُ هي التي تدخل في عدة الوفاة في الحيض، وتؤمر: أن تعتد بأبعد الأجلين، فكذلك أمر الحامل، وإذا اشتبه الحال أمرت فيه بالاحتياط أن تعتد بأبعد الأجلين،


الصفحة التالية
Icon