حرمة الرسول أعظم من حرمة البيت، فلما نزل بأُولَئِكَ ما نزل لما جاء منهم من تضييع حرمة بيته؛ فلأن تخشى عذابه ونقمته من تضييع حرمة رسوله أولى.
والوجه الثالث: أن اللَّه - تعالى - أهلك أُولَئِكَ لما أراهم من آياته فلم ينصرفوا؛ لأنه ذكر أنهم كانوا إذا وجهوا الفيل نحو البيت امتنع ووقع، وإذا وجهوه نحو أرضهم هرول وسارع، فلما رأوا ذلك، ولم ينصرفوا أهلكهم اللَّه - تعالى - فلا يؤمن على أهل مكة - أيضا - أنهم لما رأوا الآيات المعجزة من الرسول - عليه السلام - فلم يؤمنوا، أن يهلكهم اللَّه - تعالى - فينتقم منهم بعقوبته؛ فعلى ما ذكرنا يخرج معنى نزول السورة.
وقيل: إنه على البشارة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعلى الإشارة أنه لم يكن للبيت ناصر في ذلك الوقت ولا معين؛ بل كان وحده، فنصره اللَّه - تعالى - حتى لم يتمكن أعداؤه من هدمه؛ فعلى ذلك ينصرك ويعينك، ويهلك عدوك، وإن كنت أنت وحدك؛ إذ كان وقت نزول هذه السورة لم يكن له كثير أعوان، وقد فعل ذلك يوم بدر.
ثم قوله: (أَلَمْ تَرَ) حرف استعمل في تذاكر أعجوبة قد كانت، وعرفوها، ثم غفلوا عنها، أو فيما لم يكن؛ فيعجبهم بما فعل بأعدائه؛ ليحملهم على الزجر والانتهاء عما حرم اللَّه - تعالى - فكأنه قال: رأيت ربك كيف فعل بأصحاب الفيل؟!.
ويجوز أن يكون الخطاب منه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، والمراد غيره.
ويجوز أن يكون هذا خطابا لكل واحد منهم.
ثم تسميتهم: أصحاب الفيل، ونسبة الفيل إليهم يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: الذي صحبوا الفيل.
والثاني: (بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)، أي: أرباب الفيل؛ كما يقال: رب الدار، وصاحب الدار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) أي: أبطل ما قدروه عند أنفسهم من تخريب البيت وتهديمه؛ فالكيد: ما ذكرنا بدءا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) جماعات متفرقة، جماعة جماعة، وهكذا السنة في الخروج لمحاربة أعداء اللَّه - تعالى - أن يخرجوا جماعة جماعة.
وقيل: هي طير لم ير قبلها ولا بعدها مثلها، لها رءوس كالسباع.