حق، وأن الذي عليه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - باطل؛ فيكذبون بالدِّين الذي يرون من أنفسهم، ويظهرون بالتمويهات التي يموهون بها عليهم.
فكيفما كان إن كانت نزلت في المنافقين، أو في أهل الكفر، أو في الذي كذب بالحساب والبعث، أو بالذي ذكرنا أنه يظهر خلاف ما يضمر - ففيها عظة وتنبيه للمؤمنين وزجر لهم عن مثل صنيعهم؛ لأنه نعت الذي كذب بالدِّين إن كان المراد به الحساب، أو الدِّين نفسه؛ حيث قال: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) كأنه قال: الذي يكذب بالدِّين هو الذي يدع اليتيم؛ أي: يظلم اليتيم، ويمنع حقه.
(وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣) يقول - واللَّه أعلم - للمؤمنين: لا تظلموا اليتيم، ولا تمنعوا حقه، ولا تسيئوا صحبة اليتيم، كما فعل من كذب بالدِّين وحضوا على طعام المسكين؛ يصف بخلهم واستهانتهم باليتيم والمساكين، وسوء معاملتهم التي عاملوهم، يعظ المؤمنين ويزجرهم عن ذلك.
وجائز أن يكون قوله: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)؛ لما عندهم أن من أعطي المال، ووسع عليه الدنيا إنما أعطي ذلك لكرامة له عند اللَّه - تعالى - ومن ضيق عليه، ومع ذلك عنه؛ لهوان له عنده وحقارة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ...) الآية، يظنون أن اللَّه - تعالى - منع من منع ذلك؛ لهوان له عنده، ومن وسع عليه، وسع لكرامة له عنده؛ فيقول: كيف أكرم من أهانه اللَّه تعالى؛ فيحتمل أن يكون ما ذكر أنه لا يحض على طعام المسكين.
ويحتمل أن يكون الذي حمله على ظلمه اليتيم، وتركه إطعامه تكذيبه بالبعث؛ لأنه ليس لليتيم من ينصره، ويقوم بدفع من يقصد ظلمه، ويمنع حقه، وكان لا يخاف عقوبة البعث؛ إذ لا يؤمن به.
ثم يحتمل قوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا


الصفحة التالية
Icon