حتى أن من الكفرة من يحرم الذبائح والنحر؛ للآلام التي فيها، والطباع تنفر عن ذلك؛ فتعبده بالذي فيه مناقصة طبعه ونفاره عنه.
وجائز أن يكون لا على الأمر بالصلاة والنحر، ولكن معناه: إذا فعلت ذلك فافعل لله؛ لأن أُولَئِكَ الكفرة كانوا يصلون للأصنام، ويذبحون لها؛ كقوله: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، أي: للنصب، فأمره أن يجعل ذلك لله تعالى.
وقال أن من: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) هو صلاة العيد، وانحر البدن بعدها.
وقال مجاهد وعطاء: صل الصبح بجمع، وانحر بمنى.
وقال بعضهم: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) حقيقة الصلاة، وهي الصلاة المعروفة المفروضة، وهي مخ العبادة؛ على ما ذكر في الخبر.
وكذلك ما ذكر أن المصلي مناجٍ الرب تعالى، وهو - واللَّه أعلم - لأنه ما من عبادة إلا وفيها شيء من اللذة وقضاء شهوة النفس وأمانيها من السير، والركوب، والأكل، والشرب، والكلام، والانتقال من موضع إلى موضع، وغير ذلك من الطاعات مما فيه شيء من اللذة للنفس وقضاء شهوتها -وإن قل- من الحج والزكاة والجهاد وغير ذلك، إلا الصلاة نفسها؛ فإن فيها قطع النفس عن جميع شهواتها وأمانيها، وعن جميع ما يتلذذ به من أنواع اللذات، وعلى ذلك ما سمي موسى - عليه السلام -: كليم اللَّه، ونجيه؛ لأنه فارق قومه وجميع ما للنفس فيه لذة وراحة، وأتى جبلا ليس فيه أحد، وكلمه ربه في ذلك؛ فسمي: نجي اللَّه، وعلى ذلك سمي المصلي: مناجيا ربه، وخص بذلك الاسم؛ لما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَانْحَرْ): هو ما ذكرنا من نحر البدن الذي تعبده للكل؛ لما فيه من نفار النفس بالتألم الذي يحصل لغيره بفعل غيره؛ فالتألم به بفعل نفسه أكثر من التألم بفعل غيره، وهو مجاهدة النفس وتغير ما امتحنه - عليه السلام - بتحمل المشقة لوجهه تعالى مرة بالتبليغ إلى الكفرة مع الخطر على نفسه، ومرة بمجاهدة نفسه بالقيام بالليل، ومرة بإتيان خلاف الطبع، وهو ذبح البدن؛ إذ الطبائع تنفر عن إراقة الدماء مع أنه أشفق