اللَّه وأتوب إليه ".
وهذا لأن " سُبْحَانَ اللَّهِ " حرف جامع يجمع جميع ما يستحق من الثناء عليه، والوصف له بالعلو والعظمة والجلال، والتنزيه عن جميع العيوب والآفات، وعن جميع معاني الخلق، جعل لهم هذا الحرف الجامع؛ لما عرف عجزهم عن القيام بالوصف بجميع ما يستحق من الثناء عليه.
وكذلك حرف " الحمد لله "، هو حرف جامع يجمع شكر جميع ما أنعم اللَّه عليهم، جعل لهم ذلك؛ لما عرف من عجزهم، وقلة شكر ما أنعم عليهم واحدا بعد واحد.
وعلى ذلك يخرج قوله: " اللهم صل على مُحَمَّد "، أمرهم أن يجعلوا الصلاة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، ولما لم يجعل في وسعهم القيام بما يستحقه أمروا أن يقولوا: " اللهم صل على مُحَمَّد "؛ ليكون هو المتولي ذلك بنفسه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاسْتَغْفِرْهُ):
قال أبو بكر الأصم: دل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاسْتَغْفِرْهُ) على أن كان منه تقصير وتفريط في أمره حتى أمره بالاستغفار عن ذلك.
لكن هذا كلام [وخش]؛ لا يصف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالتقصير في شيء، ولا بالتفريط في أمر قط، ولكن قد جعل اللَّه - تعالى - على كل أحد من نعمه وفضله وإحسانه في طرفة عين ولحظة بصر ما ليس في وسعه وطاقته القيام بشكر واحد منها، وإن لطف، وإن طال عمره؛ فأمره بالاستغفار؛ لما يتوهم منه التقصير في أداء شكر نعمه عن القيام بذلك.
أو أن يكون لأمته لا لنفسه.
فإن قال قائل: ما معنى أمره بالاستغفار، وقد ذكر أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه يجوز أن يكون أمر بالاستغفار لأمته، نحو قوله - تعالى -: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
أو أن يكون اللَّه - تعالى - وعد له المغفرة إذا لزم الاستغفار، ودام عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا):
أي: كان لم يزل توابا، ليس أن صار توابا بأمر اكتسبه وأحدثه، على ما تقول المعتزلة: إنه صار توابا.


الصفحة التالية
Icon