" أعوذ برب الخلق "، وهذا أعم من الأول، وإضافة كلية الأشياء إليه، أو إضافته إلى الكل بالربوبية من باب التعظيم لله - تعالى - فما كان أعم فهو أقرب في التعظيم، فهذا - واللَّه أعلم - يخرج على أوجه:
أحدها: أراد التعريف، وبهذا يقع الكفاية في معرفة من يفزع إليه ممن يملك ذلك، ليعوذ منه، لكنه ذكر (بِرَبِّ الْفَلَقِ)، في موضع، و (باللَّهِ) في موضع، وقوله في موضع، كقوله - تعالى -: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ)، وقال: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)؛ ليعلم به من سعة الأمر وتحقيق الفزع، والرجوع إلى اللَّه - تعالى - عند نزول ما ينزل بالمرء مما يخاف على نفسه، ويشغل قلبه - أن له ذكر ما يحضره من أسماء اللَّه - تعالى - أي اسم كان؛ إذ ما من اسم إلا وفيه دلالة على نعمه وسلطانه وقدرته وعظمته؛ ليكون في ذلك توجيه الملك إليه وإخلاص الحمد له بإضافة النعم؛ فيكون ذلك من بعض ما به التشفع إلى اللَّه - تعالى - من ذكر قدرته وإحسانه، وأرفع ذلك في ذكر الناس بالإضافة إليه.
والثاني: أن الذين عرف فيهم الأرباب والملوك والعبادات لمن دون اللَّه - تعالى - هم الإنس دون غيرهم؛ فأمر أهل الكرامة بمعرفة اللَّه - تعالى - والعصمة عن عبادة غيره، والاعتراف بالملك والربوبية له -: أن يفزعوا إليه عما ذكر، ذاكرين لذلك، واصفين بأنه الرب لهم، والملك عليهم، والمستحق للعبادة لا غير.
أو لما كان للوجوه التي ذكرنا ضل القوم من اتخاذهم أربابا دون اللَّه تعالى.
أو نزولهم على رأي ملوكهم في الحل والحرمة، وفي البسط والقبض.
أو عبادتهم غير اللَّه - تعالى - وفزعهم إليه؛ فأمر اللَّه - تعالى - أهل الكرامة بما ذكرت الفزع إلى الذي يذكر بهذه الأوصاف على الحقيقة على نحو فزع الضالين إلى أربابهم وملوكهم والذين عبدوهم دونه؛ إذ إليه مفزع الكفرة - أيضا - عند الإياس عمن اتخذوهم دون اللَّه؛ لنصرتهم ومعونتهم، واللَّه أعلم.
والثالث: أن المقصود من خلق هذا العالم هم الذين نزلت فيهم هذه السورة، وغيرهم


الصفحة التالية
Icon