رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فإذا سمى ما ذكره اللَّه تعالى رزقًا: أجرًا، لم يكن أجرًا وكان بحق الرزق والكسوة؛ فلذلك لم تجز الإجارة في صلب النكاح، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
دليل على أن اللبن وإن خلق لمكان الولد فهو ملك لها، ولولا ذلك، لم يكن لها أن تأخذ الأجر على لبن ليس لها فيها ملك، وفيه دليل على أن حق الإرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وحق الإمساك والحضانة والكفالة على الزوجات، ولولا ذلك لكان لها بعض الأجر دون الكل، فلما أمر بإيتاء كل الأجر، ثبت أن حق الإرضاع على الأزواج وعلى الزوجات الكفالة والإمساك، واللَّه أعلم.
ولأجل أنا لو جعلنا اللبن ملكًا للولد مخلوقًا له، وجعلنا النفقة على الأم من مال نفسها، لكانت نفقتها تفنى ولا يتهيأ لها كسب النفقة؛ لاشتغالها بالإرضاع؛ فتجوع وتهلك ويذهب لبنها؛ فيبطل الإرضاع؛ فإذا كان إيجاب الإرضاع عليها يسقط من حيث يراد جعل النفقة، فأسقطنا عنها، وجعلنا ملك اللبن لها؛ لتأخذ الأجر عليه، واللَّه أعلم.
وفي هذه الآية دلالة على أن الأجر إنما يجب بعد استيفاء المنافع، فإنه قال: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) إنما أوجب الإيتاء بعد الإرضاع.
وفي قوله: (أُجُورَهُنَّ) دلالة على أن الإرضاع إنما هو بإجارة قد سبقت؛ لذلك قال أصحابنا: إن الأجرة إنما تجب عند استيفاء العمل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: - (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)، له وجهان:
أحدهما: أن يقول: (وَأْتَمِرُوا) يعني: تشاوروا في إرضاعه إذا تعاسرت هي.
والثاني: (وَأْتَمِرُوا) أي: اعملوا بأمر من جعل اللَّه تعالى إليه الأمر بالمعروف، وهو الحاكم، إذا أمركم في أمر الولد بالمعروف.
وقوله: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).
يعني: إذا تنازعتم في الرضاع، وأبت الأم أن ترضعه، فاطلبوا أخرى ترضعه عندها.
وقوله: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧).
أي: من وسع اللَّه عليه في الرزق، فلينفق نفقة واسعة، (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ)، يعني: ضيق عليه و (قُدِرَ) هاهنا بمعنى: ضيق عليه، وهو كما قال: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)