فيهن؛ فيصيبنا من ذلك عذاب عظيم؛ كما قال: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ولقائل أن يقول في قوله: (هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ): من أي وجه صار بهتانا عظيما، ونساء رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يكن معصومات، بل كان يتوهم منهن الصنع الذي رمين به؟!
فجوابه: أن أزواجه كن بالمحل الذي إذا ابتلين بزلة: سرًّا، أو جهرًا أطلع اللَّه تعالى ذلك نبيه - عليه السلام - ألا ترى أن إحداهن لما أفشت سر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى أخرى أطلع اللَّه - تعالى - نبيه على ذلك، فإذا كان لا يستر عليهن هذا القدر من الزلة، فكيف يستر عليهن فعل الزنى منهن؟! ولو وجد من التي رميت فعل الزنى، لكان يسبق الاطلاع من اللَّه تعالى لرسوله - عليه السلام - قبل أن يجري به التحدث على ألسن الخلق، فإذا لم يسبق أوجب ذلك المعنى براءة ساحتها عما رميت به، وصار الرامي لها به قائلا بالبهتان والزور.
وفي هذه الآية دلالة جواز العمل بالاجتهاد لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا بإذن سبق من الله تعالى؛ إذ لو كان الإذن سابقًا، لما عوتب عليه؛ لما ذكرنا: أنه لم يعاتب لزلة ارتكبها حتى يكون فيه منع عن العمل بالاجتهاد، وإنما عوتب لمكان ما حمل على نفسه من فضل المؤنة في العشرة.
ثم الأصل: أن الإماء لا حظ لهن في القسم، ولسن لهن من الأيام ما يكون مثله للحرائر حتى كان يقسم لها فيؤدي فيه حقها، وقد أذن له في إمساكها وألا يزوجها؛ فلا يجوز ألا يؤمر بتزويجها، ثم هو لا يسكن شهوتها، ثم هو إنما يصل إلى قضاء وطرها وتسكين شهوتها في يوم ذلك اليومُ لزوجة من زوجاته، فجائز أن يكون اللَّه تعالى أكرمه أن يسكن شهوتها ويأتيها من حيث لا يعلم أزواجه بذلك، ثم أطلع بعض نسائه على فعله ليعلمن أن المحنة عليهن بعد العلم وقبل العلم واحدة، وأن عليهن أن يعظمن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وألا يحملهن الغيرة على الاستقبال له بالمكروه والنظر إليه بالتنقص؛ إذ لم يكن عليهن فيما يأتي تلك الأمة في أيامهن تقصير في حقهن؛ إذ كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أعطي من القوة في الجماع ما يطوف على جميع نسائه في ليلة واحدة.


الصفحة التالية
Icon