قد بينا أن كل مسلم مؤمن في التحصيل؛ لأن معنى الإسلام والإيمان واحد؛ إذ الإسلام: هو أن يجعل الأشياء كلها لله خالصة سالمة لا يشرك فيها غيره، والإيمان: التصديق، وهو أن يصدق أن اللَّه تعالى رب كل شيء، وإذا صدقته أنه رب كل شيء فقد جعلت الأشياء كلها سالمة له، أو تصدق كلًّا فيما يشهد لله تعالى في الربوبية بجوهره، فثبت أن كل واحد منهما يقتضي ما يقتضيه الآخر من المعنى، فإذا ذكر أحدهما بالإفراد، فقي ذكره ذكر الآخر، وإذا جمع في الذكر، صرف هذا إلى وجه، وهذا إلى وجه، وهذا كما ذكرنا في التقوى أنه يقتضي معنى الإحسان إذا ذكر مفردا؛ لأن التقوى هو أن يتقي من المهالك، والاتقاء عن المهالك يقع باكتساب المحاسن، وإذا ذكرا معا صرف التقوى إلى الاتقاء من الكفر والإحسان إلى فعل الخيرات، وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه "، وقال: " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "، فصرف هذا إلى وجه وهذا إلى وجه، وهما في التحصيل واحد؛ لأنهم إذا أمنوا بوائقه فقد سلموا من لسانه ويده.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَانِتَاتٍ).
قيل: مطيعات.
وقيل: القائمات بالليالي للصلاة، وهذا أشبه؛ لأنه ذكر السائحات بعد هذا، والسائحات
الصائمات، وذكر الصيام بالنهار، فيكون تأويل القانتات راجعا إلى قيام الليل؛ ليكون فيه إحياء الليل والنهار بالعبادة؛ ولذلك قال جبريل - عليه السلام - في وصف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " إنها صوامة قوامة " أي صوامة بالنهار وقوامة بالليل، وذكر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن أفضل الأعمال، فقال: " طول القنوت "، وهو القيام بالليل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَائِبَاتٍ).
هن اللائي لا يصررن على الذنب، بل يفزعن إلى اللَّه تعالى بالتوبة والتضرع إذا ابتلين بالخطيئة.
وقوله: (عَابِدَاتٍ).


الصفحة التالية
Icon