رضاءهما جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ).
لما ذكر من إباحة العفو في حكم القرآن، ولم يكن في حكم غيره من الكتب، وأخذ الدية أو القتل، ولم يكن في حكم التوراة والإنجيل إلا واحد.
ويحتمل: أن كان في التوراة هذا أو هذا كما قال: (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ). واحتمل أنه ذكر القود شرعًا لنا، وقوله: (فَمَنْ تَصَدَّقَ)، لنا خاصة.
وقوله: (وَرَحْمَةٌ).
فيه دلالة ألا يقطع صاحب الكبيرة عن رحمة اللَّه؛ لأنه أخبر أن التخفيف رحمته في الدنيا، فإذا لم يوفِهم في الدنيا من رحمته فلا يوفيهم في الآخرة منها.
وفي قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)، دلالة ألا يزول اسم الإيمان بارتكاب الكبيرة؛ لأنه سماه أخا من غير أخوة نسب؛ دل أنه أخوة في الدِّين لأنه سماه أخًا. وكذلك قوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا)، أبقى لهم اسم الإيمان بعد البغي والقتل. دل أن ارتكاب الكبيرة لا يخرجه من الإيمان.
وهذا يرد على المعتزلة قولهم؛ لأنهم يقولون: إن من ارتكب كبيرة أخرجته من الإيمان، وما ذكر من التخليد في قتل العمد يخرج على وجهين:
أحدهما لاستحلال قتله، أو يتغمد ديته، وإلا فيخرج الآيتان على التناقض في الظاهر لو لم يجعل على ما ذكرنا. واللَّه أعلم.
وقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قيل: من اعتدى على القاتل بعد ما عفى عنه، أو بعد ما أخذ الدية.
وقيل: (بَعْدَ ذَلِكَ)، أي: من بعد النهي عن قتله.
وقيل: إذا أرى من نفسه العفو، ثم أخذ الدية، ثم أراد قتله، فهو الاعتداء. ثم اختلف بعد هذا بوجهين:
قال قوم: إذا فعل ذلك يترك القصاص فيه للعذاب المذكور في الآخرة: وقال


الصفحة التالية
Icon