بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)
تكلموا فيه بأوجه:
قيل: إنه منسوخ بما بين عَزَّ وَجَلَّ في آية أخرى من حق الميراث.
ومنهم من قال: لم ينسخ.
ثم قيل: فيه بوجهين:
قيل: إنه قد كان ذلك؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد في الإسلام، يسلم الرجل ولا يسلم أبواه. فقوله: (كُتِبَ) إنما وقع على من كان لا يرث.
ومنهم من يقول: بأنها كانت للوارث ولم ينسخ، وإنما يقع الأمر في غير من يرث ممن ذكر. لكن في ذلك ذكر (كُتِبَ)، وذلك إيجاب.
ولا يحتمل أن يفرض عليهم صلتهم مع التحذير عن اتخاذهم أولياء بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ) وقوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، وفي إلزام الفرضية من حيث المعروف إبقاء الموالاة وإلزام المحبة، وقد حذر وجود ذلك؛ فثبت أن الآية فيمن يتوارثون اليوم لكنها نسخت. واللَّه أعلم.
ومنهم من يقول: لا، ولكنه وقع على من كان يرث وعلى من كان لا يرث بقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ)، فهو كان مكتوبًا عليهم مفروضًا في حق الوصاية.
ثم من رأى نسخه استدل بقوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، ذكر فيه الوصاية على بيان كل ذي حق حقه. فليس الذي أوصى اللَّه يمنع وصايته التي كتب عليهم. لكن في الآية دليل لم ينسخ بهذه لوجهين:
أحدهما: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ). فهو وصيته ذكره كذكر الوصاية في الأول، ففيه جعل حق كالحق المجعول لهم إذا لم يذكر ذلك الوصية مع الميراث ثم نفاه.
والوجه الآخر: أنه قال: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، فجعل حكم الإرث على ذكر الوصية، والإرث بعد الوصية؛ فبانَ أن لها حكم البقاء.
ثم قيل: فيه بوجهين:
قال قائلون: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، لم يكن ميراثًا، ولا هو


الصفحة التالية
Icon