أعلم.
والثاني: أنه لا يلزم القضاء بعد الإسلام، ولا يجوز الابتداء في حاله. فكان ذا تكليف لم يجعل اللَّه للمكلف وجه القيام، وقد تبرأ اللَّه عن هذا الوجه من التكليف بقوله عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا)، مع ما بين اللَّه تعالى بقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ) أن ما للكافر التمتع في الدنيا، لا العبادات في ذلك. واللَّه الموفق.
فثبت بالآية التي ذكرنا جميع المؤمنين في الخطاب؛ إذ بين الرخصة لِذِي العذر في الإفطار على وجوب القضاء فإذ لم يحتمل خروج من له العذر في الفطر عن أن يتضمنه الخطاب وجه ألزم القضاء، ثبت أن من لا عذر له داخل فيه ولا يسعه الفطر، وعلى هذا جاء ممن ابتلي بالجماع نهارًا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أكد عليه الأمر وألزم الكفارة على غير سؤال عن أحوال سوى ما علم من حاله أنه ليس بمريض ولا مسافر، فكان في ذلك دليل تأكيد الفرض، وفي ذلك إيجاب الكفارة لتعديه على الصيام على حال لا يحتمل الإرخاص، إذ قد كان تلك البلية في الليالي، فلم يُؤمَروا بها من حيث كانوا يملكون إبقاء الرخصة لأنفسهم لولا النوم، وفي ذلك أن فرض الصيام يعم المؤمنين.
ثم قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (١٨٥)
والشهر اسم للكل، ولو كان المراد راجعًا إليه لكان الصيام في غيره؛ لأنه عند هجوم غيره يتم شهوده، ثم يتناقض؛ لأنه قال: (فَلْيَصُمْهُ)، ومحال أن يصوم في غيره ابتداء؛ فرجع التأويل إلى أن من شهد منكم شيئًا من الشهر (فَلْيَصُمْهُ). فمن اعترضه الجنون


الصفحة التالية
Icon