سُورَةُ النِّسَاءِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)
في كل ما كان الخطاب للكفرة: ذكر اللَّه - سبحانه وتعالى - على أثره حُجج وحدانيته، ودلائل ربوبيته؛ لأنهم لم يعرفوا ربهم، من نحو ما ذكر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...) الآية، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، ونحوه كثير: ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده؛ لينظروا فيها وليتفكروا؛ فيعرفوا بها خالقهم وإلههم.
وفي كل ما كان الخطابُ للمؤمنين: لم يذكر حجج الوحدانية، ولا دلائل الربوبية؛ لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب، ولكن ذكر على أثره نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابه الذي وعد لهم، نحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا...) إلى آخر ما ذكر، ذكر نعمه التي أنعمها عليهم، وكقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ...) كذا إلى آخر ما ذكر؛ على هذا يخرج الخطاب في الأغلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ).
قيل: اتقوا عذابه ونقمته.
وقيل: اتقوا عصيانه في أمره ونهيه.
وقيل: اتقوا اللَّه بحقه في أمره ونهيه.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
أضاف خلقنا إلى آدم؛ إذ صورة الإنسان في النطفة.
قال: دلت إضافة خلقنا من آدم -وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه- على أمرين: