وذلك أبلغ في البرهان، فأنبأ فيه علم الغيوب، وفرض الفرائض، وحكم فيه الأحكام، وأنزل فيه الحجج بتأليف يعجز عنه من دون اللَّه؛ ليبين لهم أنه من عند اللَّه، فأنف قومه، وأبوا أن يستمعوه واستكبروا عليه، وقالوا: (لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، وقالوا: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فأتاهم العليم الخبير من قبل أنفسهم وكبرهم؛ فأنزل في الكتاب كلامًا افتتح به السورة لم يكن من كلام قومه؛ فلما سمعوه ظنوا أنه بديع ابتدعه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كإبداعهم البلاغات والأوابد، وأنفوا أن يكون مُحَمَّد يقدر من ذلك على ما لا يقدرون، فتدبروا الكتاب ليعلموا صدوره بما بعده من الكلام، فسمعوا كلامًا مجيدًا حكيمًا، ونبأ عظيما، وحججًا نيرة، ومواعظ شافية؛ فدخل أكثرهم في الإسلام، وقعد عنه رجلان: معاندٌ متعمد، وجاهل مقلد لا ينظر، وفيما