والقرار، وأعمال الكفرة بالذهاب والبطلان؛ فعلى ذلك قوله: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) وصف بالعظم والقرار والثبات، وقوله: [(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ)] وصف بالبطلان والتلاشي ألا يكون لهم من الخيرات: أشيء ينتفعون به، في الآخرة، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (١٠)
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) قال أبو بكر الكيساني: " مكناكم "، أي: ملكناكم في الأرض (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) تتعيشون بها، يذكرهم نعمه ومنته عليهم بما ملكهم في الأرض، وجعل لهم منافع ليشكروا عليها.
وقال الحسن: " مكناكم "، أي: جعلناكم مستخلفين في الأرض: يذكرهم - عز وجل -أيضًا- نعمه عليهم بما جعلهم خلفاء الأولين، وجعل لهم معايش ويخوفهم زوال ذلك عنهم بما صار ذلك لهم بزوالها عن الأولين، وأمكن أن يذكرهم هذا بما جعل لهم مكان القرار، وموضعِ الانتشار والتقلب والتعيش، والبشر لا بد له من ذلك، وكله يرجع إلى واحد كقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا)، أي: جعلنا الحرم آمنًا لكم بحيث تأمنون فيه وتتقلبون وتتعيشون فيه، ويتخطف الناس من حولهم، فهو يذكر لهم عظيم نعمه ومننه التي جعلها لهم هذا إذا كان الخطاب به لأهل مكة، وإن كان الخطاب به للناس كافة، فيخرج على تذكير النعم لهم حيث جعل الأرض لهم بحيث يقرون فيها ويتقلبون فيها.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) هو يحتمل وجوهًا، وكذلك قوله: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ):
أحدها: أنهم كانوا يقرون أنه خالقهم بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) كانوا يقرون بألوهيته ويصرفون العبادة إلى غيره؛ فلذلك قال: